صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما ينبغي لكل من بسط له في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه فالحسد كما مرّ أن يتمنى أن يكون ذلك الشيء له ويزول عن صاحبه والغبطة أن يتمنى مثل ما لغيره والأول: منهي عنه لما فيه من الاعتراض على الله تعالى في فعله وفي حكمته، وربما أعتقد في نفسه أنه حق بتلك النعم من ذلك الإنسان، وهذا اعتراض على الله تعالى في حكمته فيما يلقيه في الكفر وفساد الدين، وأما الثاني: وهو الغبطة فجوّزه قوم ومنعه آخرون قالوا: لأنه ربما كانت تلك النعمة مفسدة في دينه ومضرّة عليه في الدنيا ولذا قالوا: لا يقول اللهم أعطني دارًا مثل دار فلان وزوجة مثل زوجة فلان بل ينبغي أن يقول: اللهم أعطني ما يكون صلاحًا في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي وإذا تأمل الإنسان لم يجد دعاء أحسن مما ذكره الله تعالى في القرآن تعليمًا لعباده وهو قوله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾ [البقرة: ٢٠١] ولما قال الرجال: نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث، وقالت النساء: يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث نزل (﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾) وليس ذلك على حسب الميراث (﴿واسألوا الله من فضله﴾) فإن خزائنه لا تنفذ ولا تتمنوا ما للناس من الفضل (﴿إن الله كان بكل شيء عليمًا﴾) [النساء: ٣٢] فالتفضيل عن علم بمواضع الاستحقاق وسقط قوله: (للرجال نصيب﴾ إلى آخر قوله: ﴿من فضله﴾ ولأبي ذر، وقال إلى قوله: ﴿إن الله كان بكل شيء عليمًا﴾.
٧٢٣٣ - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ ﵁ لَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ».
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الحاء والراء فيهما ابن سليمان البجلي البوراني الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي (عن عاصم) هو ابن سليمان المعروف بالأحول (عن النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة (ابن أنس) أنه (قال: قال أنس ﵁: لولا أني سمعت النبي ﷺ يقول):
(لا تتمنوا) بفوقيتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: لا تمنوا (الموت لتمنيت) الموت بلفظ الماضي وحذف إحدى التاءين، وإنما نهى عن تمني الموت لما فيه من المفسدة وهي طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد ولأن الله تعالى قدّر الآجال فمتمني الموت غير راضٍ بقضاء الله وقدره ولا مسلّم لقضائه نعم إذا خاف على دينه والوقوع في الفتنة فيجوز بلا كراهة.
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات.
٧٢٣٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَثِّ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام بالتشديد والتخفيف قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن ابن أبي خالد) إسماعيل واسم أبي خالد سعد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي أنه (قال: أتينا خبّاب بن الأرتّ) بالمثناة الفوقية المشددة وخباب بالمعجمة المفتوحة والموحدتين أولاهما مشددة بينهما ألف التيمي حليف بني زهرة البدري حال كوننا (نعوده وقد اكتوى) في بطنه (سبعًا) أي سبع كيّات (فقال: لولا أن رسول الله ﷺ نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) على نفسي وقال ذلك لأنه ابتلي في جسده ببلاء شديد.
والحديث سبق في الطب في باب تمني المريض الموت.
٧٢٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ - اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة (اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر) وسقط لفظ اسمه وابن أزهر لأبي ذر (أن رسول الله) ولأبي ذر عن أبي هريرة أن رسول الله (ﷺ قال):
(لا يتمنى) قال التوربشتي: الياء المثناة بالتحتية في قوله لا يتمنى مثبته في رسم الخط في كتب الحديث فلعله نهي ورد على صيغة الخبر، والمراد منه لا يتمنَّ فأُجري مجرى الصحيح،
ويحتمل أن بعض الرواة أثبتها في الخط فروي على ذلك. وقال البيضاوي: هو نهي أُخرج في صورة النفي للتأكيد، ولأبي ذر عن الكشميهني لا يتمنين (أحدكم الموت) زاد في رواية أنس السابقة في الطب من ضرٍّ أصابه