والاختصاص بهم اتفاق فلا عبرة باتفاق غيرهم اتفاقًا وعلم عدم انعقاده في حياته ﷺ من قوله بعد وفاته، ووجهه أنه إن وافقهم فالحجة في قوله، وإلا فلا اعتبار لقولهم دونه، وعلم أن إجماع كلٍّ من أهل المدينة النبوية، وأهل البيت النبوي وهم فاطمة وعليّ والحسن والحسين ﵃، والخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ﵃، والشيخين أبي بكر وعمر، وأهل الحرمين مكة والمدينة، وأهل المصرين الكوفة والبصرة غير حجة لأنه اجتهاد بعض مجتهدي الأمة لا كلهم خلافًا لمالك في إجماع أهل المدينة، وعبارة المؤلّف تشعر بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع، لكن قال في الفتح: لعله أراد الترجيح به لا دعوة الإجماع (وما كان بها) بالمدينة (من مشاهد النبي ﷺ و) مشاهد (المهاجرين والأنصار ومصلّى النبي ﷺ) عطف على مشاهد (والمنبر والقبر) معطوفان عليه وفيه تفضيل المدينة بما ذكر، لا سيما وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ومنبره على حوضه، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وما كان بهما بلفظ التثنية والإفراد أولى لأن ما ذكره في الباب كله متعلق بالمدينة وحدها. وقال في الفتح: والتثنية أولى.
٧٣٢٢ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِىِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى الإِسْلَامِ فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ فَجَاءَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بالإحرام (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء (السلمي) بفتحتين الأنصاري صحابي ابن صحاي غزا تسع عشرة غزوة ﵄ (أن أعرابيًّا) قيل اسمه قيس بن أبي حازم وردّ بأنه تابعي كبير لا صحابي أو هو قيس بن حازم المنقري الصحابي (بايع رسول الله ﷺ على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك) بفتح الواو وسكون العين حمى (بالمدينة فجاء الأعرابي إلى رسول الله ﷺ) وسقط قوله إلى في رواية الكشميهني فرسول نصب على ما لا يخفى (فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي) على الهجرة أو من المقام بالمدينة (فأبى) بالموحدة فامتنع (رسول الله ﷺ) أن يقيله (ثم جاءه) مرة ثانية (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله (ثم جاءه) الثالثة (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله (فخرج الأعرابي) من المدينة إلى البدو (فقال رسول الله ﷺ):
(إنما المدينة كالكير) الذي ينفخ به النار أي الموضع المشتمل عليها (تنفي خبثها) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر الفاء وخبثها بفتح المعجمة والموحدة والمثلثة ما يثيره من الوسخ (وينصع) بالتحتية وسكون النون بعدها صاد فعين مهملتان ويخلص (طيبها) بكسر الطاء والتخفيف والرفع فاعل ينصع ولأبي ذرّ تنصع بالفوقية طيبها بالنصب على المفعولية، كذا في الفرع كأصله طيبها بالتخفيف وكسر أوّله في الروايتين وبه ضبط القزاز، لكنه استشكله فقال: لم أر للنصوع في الطيب ذكرًا، وإنما الكلام يتضوع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة.
ومرّ الحديث في فضل المدينة في أواخر الحج وفي الأحكام ومطابقته لما ترجم به هنا من جهة الفضيلة التي اشتمل على ذكرها كلٍّ منهما.
٧٣٢٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلَانًا فَقَالَ عُمَرُ لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ قُلْتُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ فَأَخَافُ أَنْ لَا يُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِيرُ بِهَا كُلُّ مُطِيرٍ، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ فَتَخْلُصُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَيُنَزِّلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِى أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) بسكون العين بين فتحتين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن عباس ﵄ قال: كنت أُقرئ) بضم الهمزة وسكون القاف من الإقراء (عبد الرحمن بن عوف) القرآن، وقول الدارمي معنى أقرئ رجالاً أي أتعلم منهم من القرآن لأن ابن عباس كان عند وفاة النبي ﷺ إنما حفظ المفصل من المهاجرين والأنصار، وتعقب بأنه خروج عن الظاهر بل عن النص لأن قوله أقرئ معناه أعلم. قال في الفتح: ويؤيده أن في رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري كنت أختلف إلى عبد الرحمن بن عوف ونحن بمنى مع عمر بن الخطاب أعلم عبد الرحمن