درهم الأزدي أحد الأعلام (عن عاصم الأحول) بن سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء (عن أسامة بن زيد) الحبّ ابن الحِب ﵁ أنه (قال: كنا عند النبي ﷺ إذ جاءه رسول إحدى بناته) زينب (يدعوه) أي الرسول ولأبي ذر: تدعوه بالفوقية بدل التحتية أي تدعوه زينب على لسان رسولها (إلى ابنها) وهو (في) حالة (الموت) من معالجة الروح (فقال النبي ﷺ):
(ارجع) زاد أبو ذر إليها وسقط له لفظ النبي والتصلية (فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى) أي الذي أراد أن يأخذه هو الذي أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له ولفظ ما فيهما مصدرية أي أن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة والعائد محذوف وكذا الصلة (وكل شيء) من الأخذ والإعطاء وغيرهما (عنده) في علمه (بأجل مسمى) مقدّر (فمرها فلتصبر ولتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب منه تعالى ليحسب ذلك من عملها الصالح (فأعادت الرسول) إليه ﷺ(أنها أقسمت) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي قد أقسمت أي عليه (ليأتينها، فقام النبي ﷺ وقام سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل) زاد في الجنائز وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال (فدفع الصبي إليه) بالفاء والدال المهملة المضمومة، وللكشميهني فرفع بالراء بدل الدال، وللحموي والمستملي ورفع بالواو بدل الفاء (ونفسه تقعقع) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا أي تضطرب وتتحرك والقعقعة حكاية حركة لشيء يسمع له صوت كالسلاح (كأنها) أي نفسه (في شنّ) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون قربة خلقة يابسة (ففاضت) بالبكاء (عيناه) في (فقال له سعد) أي ابن عبادة المذكور (يا رسول الله ما هذا) البكاء وأنت تنهى عنه؟ وثبت ما هذا لأبي ذر (قال): (هل له رحمة) أي الدمعة التي نراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة فيها فهي أثر الرحمة التي (جعلها الله) تعالى (في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وليس من باب الجزع وقلة الصبر. والرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة وهو أحد الأمثلة الخمسة فعول وفعال ومفعال وفعل وفعيل وزاد بعضهم فيها فعيلاً كسكير وجاء فعيل بمعنى مفعول. قال المتلمس:
فأما إذا عضت بك الحرب عضّة … فإنك عطوف عليك رحيم
والرحمة لغة الرقة والانعطاف ومنه اشتقاق الرحم وهي البطن لانعطافها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفه تعالى بالرحمة مجازًا عن إنعامه تعالى على عباده كالملك إذا عطف على رعيته أصابهم خيره وتكون على هذا التقدير صفة فعل لا صفة ذات، وقيل: الرحمة إرادة الخير لمن أراد الله به ذلك ووصفه بها على هذا القول حقيقة وحينئذ صفة ذات، وهذا القول هو الظاهر. وقيل: الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة وتارة في الإحسان المجرد، وإذا وصف بها الباري تعالى فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف، وأما ما روي عن ابن عباس ﵄ أنه قال: الرحمن الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرفق من الآخر فلا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه والكلبي متروك الحديث.
ونقل البيهقي عن الحسين بن الفضل البجلي أنه نسب راوي حديث ابن عباس إلى التصحيف وقال: إنما هو الرفيق بالفاء أي فهما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر وقوّاه البيهقي بالحديث المروي في مسلم عن عائشة ﵂ مرفوعًا: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف، واختلف هل الرحمن الرحيم بمعنى واحد؟ فقيل بمعنى واحد كندمان ونديم فيكون الجمع بينهما تأكيدًا، وقيل لكل واحد منهما فائدة غير فائدة الآخر وذلك بالنسبة إلى تغاير تعلقهما إذ يقال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة