اللفظ وبالاسم مدلوله، كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: إن القراءة حادثة والمقروء قديم فالأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمى للقطع بأن مدلول الخالق شيء ناله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ناله العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة، فزعم أن مدلول الخالق الخلق وهو غير الذات ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير وتمسكوا في ذلك بالعقل والنقل.
أما العقل؛ فلأنه لو كانت الأسماء غير الذات لكانت حادثة فلم يكن الباري تعالى في الأزل إلهًا وعالِمًا وقادرًا ونحو ذلك وهو مُحال بخلاف الخالقية فإنه يلزم من قدمها قدم المخلوق إذا أريد الخالق بالفعل كالقاطع في قولنا السيف قاطع عند الوقوع بخلاف قولنا السيف قاطع في الغمد بمعنى أن من شأنه ذلك فإن الخالق حينئذٍ معناه له الاقتدار على ذلك.
وأما النقل؛ فلقوله تعالى: ﴿سبح اسم ربك﴾ [الأعلى: ١] والتسبيح إنما يكون للذات دون اللفظ، وقوله تعالى: ﴿ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها﴾ [يوسف: ٤٠] وعبادتهم إنما هي للأصنام التي هي المسميات دون الأسامي، وأما التمسك بأن الاسم لو كان غير المسمى لما كان قولنا محمد رسول الله ﷺ حكمًا بثبوت الرسالة له ﷺ بل لغيره فشبهة واهية فإن الاسم وإن لم يكن نفس المسمى لكنه دالٌّ عليه ووضع الكلام على أن تذكر الألفاظ وترجع الأحكام إلى المدلولات كقولنا: زيد كاتب أي مدلول زيد متصف بمعنى الكتابة، وقد ترجع بمعونة القرينة إلى نفس اللفظ كما في قولنا: زيد مكتوب وثلاثي ومعرب ونحو ذلك.
وأجيب: عن الأول: بأن الثابت في الأزل معنى الإلهية والعلم ولا يلزم من انتفاء اسم بمعنى اللفظ انتفاء ذلك المعنى، وعن الثاني بأن معنى تسبيح الاسم تقديسه وتنزيهه عن أن يسمى به الغير أو عن أن يفسر بما لا يليق به أو عن أن يذكر على غير وجه التعظيم أو هو كناية عن تسبيح الذات كما في قولهم: سلام على المجلس الشريف والجناب المنيف، وفيه من التعظيم والإجلال ما لا يخفى أو لفظ الاسم مقحم كما في قول الشاعر:
ثم اسم السلام عليكما
ومعنى عبادة الأسماء أنهم يعبدون الأصنام التي ليس فيها من الإلهية إلا مجرد الاسم كمن
سمى نفسه بالسلطان وليس عنده آلات السلطنة وأسبابها فيقال: إنه فرح من السلطنة بالاسم على أن تقرير الاستدلال اعترافًا بالمغايرة حيث يقال: التسبيح لذات الرب دون اسمه والعبادة لذوات الأصنام دون أساميها، بل ربما يدعي أن في الآيتين دلالة على المغايرة حيث أضيف الاسم إلى الرب ﷿ وجعل الأسماء بتسميتهم وفعلهم مع القطع بأن أشخاص الأصنام ليست كذلك ثم عورض الوجهان بوجهين.
الأول: أن الاسم لفظ وهو عرض غير باق ولا قائم بنفسه متصف بأنه متركب من الحروف، وبأنه أعجمي أو عربي ثلاثي أو رباعي، والمسمى معنى لا يتصف بذلك فربما يكون جسمًا قائمًا بنفسه متّصفًا بالألوان متمكنًا في المكان إلى غير ذلك من الخواص فكيف يتحدان.
الثاني: قوله تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾ [الأعراف: ١٨٠] وقوله ﵊: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا" مع القطع بأن المسمى واحد لا تعدد فيه.
وأجيب: بأن النزاع ليس في نفس اللفظ بل مدلوله ونحن إنما نعبر عن اللفظ بالتسمية وإن كانت في اللغة فعل الواضع أو الذاكر، ثم لا ننكر إطلاق الاسم على التسمية كما في الآية والحديث على أن الحق أن المسميات أيضًا كثيرة للقطع بأن مفهوم العالم غير مفهوم القادر وكذا البواقي، وإنما الواحد هو الذات المتصف بالمسميات.
فإن قيل: تمسك الفريقين بالآيات والحديث مما لا يكاد يصح لأن النزاع ليس في ا س م بل في أفراد مدلوله من مثل السماء والأرض والعالم والقادر والاسم والفعل وغير ذلك على ما يشهد به كلامهم. ألا ترى أنه لو أريد الأول لما كان للقول بتعدد أسماء الله تعالى وانقسامها إلى ما هو عين أو غير أو لا عين ولا غير معنى، وبهذا يسقط ما ذكره الإمام الرازي