منذ خلق السماوات والأرض (فإنه لم يغض) بفتح التحتية وكسر المعجمة لم ينقص (ما في يده).
قال الطيبي: يجوز أن يكون أرأيتم استئنافًا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها نفقة وقد يمتلئ الشيء ولا يفيض، فقيل سحاء إشارة إلى الفيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خافٍ على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله: أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عامّ والهمزة فيه للتقرير قال: وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة المعنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء.
(وقال): وفي نسخة وكان (عرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات والأرض (وبيده الأخرى الميزان) العدل بين الخلق (يخفض) من يشاء (ويرفع) من يشاء ويوسع الرزق على من يشاء ويضيّقه على من يشاء والميزان كما قاله الخطابي مثل والمراد القسمة بين الخلق أو المراد يخفض الميزان ويرفعه فإن الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح.
وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان: إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه، وظاهره أن المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد أن الضمير المحذوف في قوله يخفض ويرفع الميزان، وأشار بقوله بيده الأخرى إلى أن عادة المخاطبين تعاطي الأسباب باليدين معًا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين ليفهم المعنى المراد مما اعتادوه.
والحديث سبق بهذا الإسناد والمتن في تفسير سورة هود وفيه زيادة في أوله وهي قال: قال الله عز وجل: أنفق أُنفق عليك.
٧٤١٢ - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَمِّى الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ».
وبه قال: (حدّثنا مقدم بن محمد) الهلالي الواسطي ولأبي ذر زيادة ابن يحيى (قال: حدّثني) بالإفراد (عمي القاسم بن يحيى) بن عطاء (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(إن الله يقبض يوم القيامة الأرض) أي الأرضين السبع ولأبي ذر عن الكشميهني الأرضين بالجمع (وتكون السماوات) السبع (بيمينه) أي مطويات كما في قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر: ٦٧] فالمراد بهذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته تعالى والتوقيف على حكم جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز يعني أن الأرضين السبع مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته (ثم يقول: أنا الملك) ولمسلم من حديث ابن عمر: أين الجبارون أين المتكبرون؟
والحديث سبق في تفسير سورة الزمر.
٧٤١٣ - رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا، وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ».
(رواه) أي الحديث (سعيد) بكسر العين ابن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما
نون ساكنة آخره راء المدني سكن بغداد وليس له في هذا الكتاب إلا هذا الموضع (عن مالك) الإمام وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي.
(وقال عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر: (سمعت سالمًا) هو ابن عبد الله بن عمر عم المذكور يقول: (سمعت ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث ووصله مسلم وأبو داود (وقال أبو اليمان) الحكم بن نافع: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يقبض الله) عز وجل (الأرض). وهذا سبق قريبًا في باب قوله تعالى: {ملك الناس} [الناس: ٢].
٧٤١٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: ٩١].
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد أنه (سمع يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (وسليمان) بن مهران الأعمش كلاهما (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (أن يهوديًّا) أي يعرف اسمه، وفي مسلم من رواية فضيل بن عياض جاء حبر وزاد في رواية شيبان من الأحبار (جاء إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إن الله يمسك