وحاصله أن معنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها (وأراد أن يخرج) بضم أوله وكسر ثالثه (برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله) عز وجل (شيئًا ممن أراد الله) عز وجل (أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود) ولأبي ذر عن الكشميهني بآثار السجود (تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله) عز وجل (على النار أن تأكل أثر السجود) وهو موضعه من الجبهة أو مواضع السجود السبعة، ورجحه النووي لكن في مسلم إلا دارات الوجوه وهو كما قال عياض يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة. ويؤيده أن في بقية الحديث أن منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه، وفي مسلم من حديث سمرة وإلى ركبتيه، وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد وإلى حقويه، لكن حمله النووي على قوم مخصوصين. ونقل بعضهم أن علامتهم الغرّة ويضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل ممن قال أعضاء السجود لدخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفّين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان، وما استدلّ به من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا
ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا يؤثر فيه النار إكرامًا لمحل السجود، ويحتمل أن الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها. (فيخرجون من النار) حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية والمعجمة بينهما حاء مهملة مكسورة أو بفتح الفوقية احترق جلدهم وظهر عظمهم (فيصب عليهم) بضم التحتية وفتح الصاد (ماء الحياة) ضد الموت (فينبتون تحته كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة من بزور الصحراء (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة ما يحمله من طين ونحوه وفي رواية يحيى بن عمارة إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحبة فتقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة فالتشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسنه (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل) زاد أبو ذر منهم (مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولاً الجنة). وفي حديث حذيفة في أخبار بني إسرائيل أنه كان نباشًا وعند الدارقطني في غرائب مالك أنه رجل من جهينة عند السهيلي اسمه هناد (فيقول: أي) بسكون الياء (رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني) بالقاف والمعجمة والموحدة مفتوحات آذاني (ريحها وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال وبعد الكاف همزة ولأبي ذر ذكاها بغير همز شدة حرها والتهابها (فيدعو الله) عز وجل (بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله) عز وجل له: (هل عسيت) بفتح السين وكسرها (إن أعطيت ذلك) بضم الهمزة ولأبي ذر إن أعطيتك بفتحها وبالكاف (أن تسألني غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ربه) ولأبي ذر عن الكشميهني ويعطي الله (من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف الله) عز وجل (وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله) عز وجل (أن يسكت). حياء (ثم يقول: أي رب قدمني) بسكون الميم بعد كسر الدال المشددة (إلى باب الجنة فيقول الله) عز وجل (له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدًا) أي غير صرف وجهك عن النار (ويلك يا ابن آدم ما أغدرك) فعل تعجب من الغدر ونقض العهد وترك الوفاء (فيقول أي رب ويدعو الله) عز وجل (حتى يقول) عز وجل له (هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي) الله (ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت) بنون ساكنة ففاء فهاء فقاف مفتوحات ففوقية انفتحت واتسعت (له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة من النعمة وسعة