(هل تضارون) بضم أوّله وتشديد الراء (في رؤية الشمس والقمر) وسقط قوله والقمر لأبي ذر ويروى تضارون بالتخفيف (إذا كانت) أي السماء (صحوًا) أي ذات صحو أي انقشع عنها الغيم (قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون) لا تخالفون أحدًا ولا تنازعونه (في رؤية ربكم يومئذٍ) يوم القيامة (إلا كما تضارون في رؤيتهما) أي الشمس والقمر، ولأبي ذر: في رؤيتها أي الشمس والتشبيه المذكور هنا إنما هو في الوضوح وزوال الشك لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المحدثات. وقال في المصابيح: هذا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو من أفضل ضربيه وذلك أنه استثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك الشيء بتقدير دخولها فيها أي إلا كما تضارون في رؤية الشمس في حال صحو السماء أي إن كان ذلك ضيرًا فأثبت شيئًا من العيب على تقدير كون رؤية الشمس في وقت الصحو من العيب، وهذا التقدير المفروض محال لأنه من كمال التمكن بن الرؤية دون ضرر يلحق الرائي فهو في المعنى تعليق بالمحال فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببينة لأنه علق نقيض المدعي وهو إثبات شيء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق، ومن جهة أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال أي كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه وذلك لما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز، وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج الشيء مما قبله فإذا وليها صفة مدح وتحوّل الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع جاء
التأكيد لما فيه من المدح على المدح والإشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح وتحوّل الاستثناء إلى الانقطاع.
(ثم قال ينادي مُنادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب) النصارى (مع صليبهم وأصحاب الأوثان) المشركون (مع أوثانهم) بالمثلثة فيهما (وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: مع إلههم بكسر الهمزة وإسقاط الفوقية بلفظ الإفراد (حتى يبقى من كان يعبد الله) عز وجل (من بر) بفتح الموحدة وتشديد الراء مطيع لربه (أو فاجر) منهمك في المعاصي والفجور (وغبرات) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة بعدها راء فألف ففوقية والجر عطفًا على المجرور أو مرفوع عطفًا على مرفوع يبقى أي بقايا (من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض) بضم الفوقية وفتح الراء (كأنها سراب) بالسن المهملة وهو ما يتراءى وسط النهار في الحر الشديد يلمع كالماء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي السراب بالتعريف (فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله) قال الجوهري منصرف لخفته وإن كان أعجميًّا مثل نوح ولوط لأنه تصغير عزر (فيقال) لهم (كذبتم) في كون عزير ابن الله (لم يكن لله صاحبة ولا ولد).
قال الكرماني، فإن قلت: إنهم كانوا صادقين في عبادة عزير قلت: كونه ابن الله. فإن قلت؟ المرجع هو الحكم الموقع لا الحكم المشار إليه فالصدق والكذب راجعان إلى الحكم بالعبادة لا إلى الحكم بكونه ابنًا. قلت: إن الكذب راجع إلى الحكم بالعبادة المقيدة وهي منتفية في الواقع باعتبار انتفاء قيدها أو هو في حكم القضيتين كأنهم قالوا عزير هو ابن الله ونحن كنا نعبده فكذبهم في القضية الأولى اهـ.
وقال البدر الدماميني: صرح أهل البيان بأن مورد الصدق والكذب هو النسبة التي يتضمنها الخبر فإذا قلت: زيد بن عمرو قائم فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى بنوّة زيد، وهذا الحديث يردّ عليهم، وحاول بعض المتأخرين الجواب بأن قال: يراد كذبتم فى عبادتكم لعزير أو مسيح موصوف بهذه الصفة.
(فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. فيقال) لهم (اشربوا فيتساقطون في جهنم) وفي تفسير سورة النساء. فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار (ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون