قبضة من النار فيخرج) تعالى (أقوامًا) وهم الذين معهم مجرد الإيمان ولم يأذن فيهم بالشفاعة حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة بعدها معجمة احترقوا (فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (في نهر بأفواه الجنة) جمع فوّهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها والمراد هنا مفتتح مسالك قصور الجنة (يقال له ماء الحياة) وسقط لأبي ذر لفظ ماء (فينبتون في حافتيه) تثنية حافة بتخفيف الفاء أي جانبي النهر (كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة اسم جامع لحبوب البقول (في حميل السيل) ما يحمله من نحو طين فإذا اتفقت فيه الحبة واستقرت على شط مجرى السيل نبتت في يوم وليلة فشبه به لسرعة نباته وحسنه (قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى) ولأبي ذر وإلى (جانب الشجرة فما كان إلى) جهة (الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى) جهة (الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ) بياضًا ونضارة (فيجعل) بضم التحتية وفتح العين (في رقابهم الخواتيم) شيء من ذهب أو غيره علامة يعرفون بها (فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا (ولا خير قدموه) فيها بل برحمته تعالى ومجرد الإيمان دون أمر زائد من عمل صالح (فيقال لهم) إذا نظروا في الجنة إلى أشياء ينتهي إليها بصرهم (لكم ما رأيتم ومثله معه).
وفيه: أن جماعة من مذنبي هذه الأم يعذبون بالنار، ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة، وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وإن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى الساق، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون على ما ورد في حديث أبي سعيد بلفظ: يموتون فيها إماتة فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلاً ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول حديث أبي سعيد بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة.
والحديث سبق في تفسير سورة النساء، لكن باختصار في آخره قال البخاري بالسند إليه.
(وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم وهو أحد مشايخ المؤلف ولعله سمعه منه في المذاكرة ونحوها (حدّثنا همام بن يحيى) بفتح الهاء وتشديد الميم العوذي الحافظ قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا) بضم أوّله وكسر الهاء ولأبي ذر بفتح الياء وضم
الهاء يحزنوا (بذلك) الحبس وقول الزركشي هذه الإشارة إلى المذكور بعده وهو حديث الشفاعة، تعقبه في المصابيح فقال: هو تكلف لا داعي له، والظاهر أن الإشارة راجعة إلى الحبس المذكور بقوله يحبس المؤمنون حتى يهموا (فيقولون: لو استشفعنا) لو طلبنا من يشفع لنا (إلى ربنا فيريحنا من مكاننا) برفع فيريحنا في الفرع. وقال الدماميني بالنصب لوقوعه في جواب التمني المدلول عليه بلو أي ليت لنا استشفاعًا فإراحة فيخلصنا مما نحن فيه من الحبس والكرب (فيأتون آدم) عليه السلام (فيقولون) له (أنت آدم) من باب قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري
وهو مبهم فيه معنى الكمال لا يعلم ما يراد منه ففسره بقوله:(أبو الناس خلقك الله بيده) زيادة في الخصوصية والله تعالى منزه عن الجارحة (وأسكنت جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء) وضع شيء موضع أشياء أي المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها (لتشفع) بلام الطلب ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي اشفع (لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيقول) لهم: (لست