وبه قال:(حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني قال: (حدّثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)﵁(عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(اختصمت الجنة والنار إلى ربهما) تعالى مجازًا عن حالهما المشابه للخصومة أو حقيقة بأن خلق الله تعالى فيهما الحياة والنطق. وقال أبو العباس القرطبي: يجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار لأنه لا يشترط عقلاً في الأصوات أن يكون محلها حيًّا على الراجح، ولو سلمنا الشرط لجاز أن يخلق الله في بعض أجزائها الجمادية حياة لا سيما، وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿إن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ [العنكبوت: ٦٤] إن كل ما في الجنة حي، ويحتمل أن يكون ذلك بلسان الحال والأوّل أولى واختصامهما هو افتخار إحداهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا آثر عند الله من الجنة وتظن الجنة أنها بمن يسكنها من أولياء الله تعالى آثر عند الله (فقالت الجنة: يا رب ما لها) مقتضى الظاهر أن تقول ما لي ولكنه على طريق الالتفات (لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم) بفتح السين والطاء الضعفاء الساقطون من أعين الناس لتواضعهم لربهم تعالى وذلتهم له (وقالت النار يعني
أوثرت) بضم الهمزة وسكون الواو والراء بينهما مثلثة اختصصت (بالمتكبرين) المتعظمين بما ليس فيهم (فقال الله تعالى) مجيبًا لهما بأنه لا فضل لإحداكما على الأخرى من طريق من يسكنكما وفي كلاهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به وقد ردّ الله ذلك إلى مشيئته فقال تعالى (للجنة أنت رحمتي) زاد في سورة ق: أرحم بك من أشاء من عبادي وإنما سماها رحمة لأن بها تظهر رحمته تعالى (وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء) وفي تفسير سورة ق: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي (ولكل واحدة منكما ملؤها) بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة (قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدًا وإنه ينشئ للنار من يشاء) من خلقه (فيلقون فيها) لأن لله تعالى أن يعذب من لم يكلفه بعبادته في الدنيا لأن كل شيء ملكه فلو عذبهم لكان غير ظالم لهم لا يسأل عما يفعل (فتقول هل من مزيد ثلاثًا حتى يضع) الرب تعالى (فيها قدمه) من قدمه لها من أهل العذاب أو ثمة مخلوق اسمه القدم أو هو عبارة عن زجرها وتسكينها كما يقال جعلته تحت رجلي ووضعته تحت قدمي (فتمتلئ وبرد) بضم التحتية وفتح الراء (بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط). بالتكرار ثلاثًا للتأكيد مع فتح القاف وسكون الطاء مخففة فيها أي حسبي.
وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة ق بخلاف هذه الرواية التي هنا فإنه قال هناك، وأما النار فتمتلئ ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا، وكذا في صحيح مسلم. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا فقال جماعة إن الذي ورد هنا من المقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط محتجًّا بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكرها البلقيني واحتج بقوله: ﴿ولا يظلم ربك أحدًا﴾ [الكهف: ٤٩] وقال أبو الحسن القابسي المعروف أن الله ينشئ للجنة خلقًا قال ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقًا إلا هذا اهـ.
واحتج بأن تعذيب الله غير العاصي لا يليق بكرمه بخلاف الإنعام على غير المطيع، وقال