(باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق). قال في الفتح: كذا في رواية الأكثرين تخليق وفي رواية الكشميهني في خلق السماوات قال وهو المطابق للآية (وهو) أي التخليق أو الخلق (فعل الرب ﵎ وأمره) بقوله: "كن"(فالرب) تعالى (بصفاته) كالقدرة (وفعله) أي خلقه (وأمره) ولأبي ذر زيادة وكلامه فهو من عطف العام على الخاص لأن المراد بالأمر هنا قوله كن وهو من جملة كلامه (وهو الخالق هو المكوّن غير مخلوق) بتشديد الواو المكسورة من قوله المكوّن.
قال في الفتح: لم يرد في الأسماء الحسنى ولكن ورد معناه وهو المصوّر واختلف في التكوين هل هو صفة فعل قديمة أو حادثة، فقال أبو حنيفة وغيره من السلف قديمة، وقال الأشعري في آخرين حادثة لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديمًا. وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله، فأجاب بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئًا جديدًا فتعقبوه بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقًا ولا رازقًا وكلام الله تعالى قديم، وقد ثبت فيه أنه الخالق الرازق فانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة ولم يرتضِ بعضهم هذا، بل قال وهو قول منقول عن الأشعري نفسه أن الأسامي جارية مجرى الأعلام والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في
اللغة، وأما في الشرع فلفظ الخالق والرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل، فأجاب: بأن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي. قال الحافظ ابن حجر: وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة الأول والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة وقوع حوادث لا أول لها وبالله التوفيق. وسقط لأبي ذر قوله هو من قوله هو المكوّن وسقط من بعض النسخ قوله وفعله. قال الكرماني: وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق.
قال في فتح الباري: سياق المؤلف يقتضي التفرقة بين الفعل وما ينشأ عن الفعل فالأول من صفات الفاعل والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة وأما مفعوله وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق ومن ثم عقبه بقوله: (وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول ومخلوق ومكوّن) بفتح الواو المشددة. وقال المصنف في كتابه خلق أفعال العباد: واختلف الناس في الفاعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر، وقالت الجبرية: كلها من الله، وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، ولذلك قالوا كن مخلوق، وقال السلف: التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات.
وبه قال:(حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم بن محمد الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (شريك بن عبد الله بن أبي نمر) المدني (عن كريب) أبي رشدين مولى ابن عباس (عن ابن عباس)﵄ أنه (قال: بتّ في بيت ميمونة) أم المؤمنين ﵂ وهي خالته (ليلة والنبي ﷺ عندها) في نوبتها (لأنظر كيف صلاة رسول الله ﷺ) زاد أبو ذر عن الكشميهني بالليل (فتحدّث رسول الله ﷺ مع أهله) زوجته ميمونة (ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه) ولأبي ذر عن الكشميهني أو نصفه (قعد) رسول الله ﷺ(فنظر إلى السماء فقرأ (﴿إن في خلق السماوات والأرض﴾) أي لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر (-إلى قوله- ﴿لأولي الألباب﴾ [آل عمران: ١٩٠]) أي لمن أخلص عقله من الهوى خلوص اللب عن القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر لأن جوهرًا ما لا ينفك عن عرض حادث وما لا
يخلو عن الحادث فهو حادث ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم، وإلاّ لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى وحسن صنعه دل على علمه