إنما هو بمشيئة الله وإرادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع.
وقسم بعضهم الإرادة إلى قسمين إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير، فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: ١٨٥] وإلى الثاني بقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} [الأنعام: ١٢٥].
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر فقوله وقول الله تعالى رفع ({تؤتي الملك من تشاء} [آل عمران: ٢٦]) وقوله تعالى: ({ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا * إلا أن يشاء الله} [الكهف: ٢٣، ٢٤]) وقوله تعالى: ({إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: ٥٦]) يخلق فعل الاهتداء فيما يشاء فدلت هذه الآيات على إثبات الإرادة والمشيئة لله تعالى وأن العباد لا يريدون شيئًا إلا وقد سبقت إرادة الله تعالى له وأنه الخالق لأعمالهم طاعة أو معصية.
(قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت) آية {إنك لا تهدي من أحببت} (في أبي طالب) وقد أجمع المفسرون على أنها نزلت فيه كما قاله الزجاج، وهذا التعليق وصله في تفسر سورة القصص.
وقوله: ({يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}) [البقرة: ١٨٥] تمسك به المعتزلة بأنه لا يريد المعصية. وأجيب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والإفطار بشرطه وإرادة العسر المنفية الإلزام بالصوم في السفر في جميع الحالات فالإلزام هو الذي لا يقع لأنه لا يريده وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن، واتفق أهل السُّنّة على أنه لا يقع إلا ما يريده الله تعالى وأنه مريد لجميع الكائنات وإن لم يكن آمرًا بها. وقالت المعتزلة: لا يريد الشر لأنه لو أراده لطلبه وشنعوا على أنه يلزمهم أن يقولوا وإن الفحشاء مرادة لله تعالى وينبغي أن ينزه عنها. وأجاب أهل السُّنَّة: بأن الله تعالى قد يريد الشيء ولا يرضاه ليعاقب عليه ولثبوت أنه خلق الجنة والنار وخلق لكلٍّ أهلاً وألزموا المعتزلة بأنهم جعلوا أنه يقع في ملكه ما لا يريده.
٧٤٦٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِى الدُّعَاءِ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِى فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا دعوتم الله) عز وجل (فاعزموا) بهمزة وصل (في الدعاء) وفي الدعوات فليعزم المسألة فليقطع بالسؤال ويجزم به حسن ظن بكرم ربه تعالى (ولا يقولن أحدكم إن شئت فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة لعطائه لأنه أمر متيقن أنه لا يعطي إلا أن يشاء فلا معنى لاشتراط المشيئة لأنها إنما تشترط فيما يصح أن يفعل بدونها من إكراه أو غيره ولذا أشار عليه السلام بقوله (فإن الله لا مستكره له). بكسر الراء وأيضًا ففي قوله إن شئت نوع من الاستغناء عن عطائه قول القائل إن شئت أن تعطيني كذا فافعل ولا يستعمل هذا غالبًا إلا في مقام يشعر بالغنى وأما مقام الاضطرار فإنما فيه عزم المسألة وبتّ الطلب.
والحديث سبق في الدعوات ومطابقته لما ترجم به هنا في قوله: إن شئت.
٧٤٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى أَخِى عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ: «أَلَا تُصَلُّونَ»؟ قَالَ عَلِىٌّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَىَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: «{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً}»
[الكهف: ٥٤].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح) للتحويل قال المؤلف.
(وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا أخي عبد الحميد) أبو بكر بن أبي أويس الأصبحي (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) عبد الرحمن الصديقي التيمي (عن ابن شهاب) الزهري (عن علي بن حسين) بضم الحاء (أن) أباه (حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن) أباه (علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) أي أتاهما في ليلة ونصب فاطمة عطفًا على الضمير المنصوب في طرقه (فقال لهم) لعلي وفاطمة ومن عندهما يحضهم.
(ألا) بالتخفيف (تصلون. قال علي) -رضي الله عنه- (فقلت: يا رسول الله وإنما أنفسنا بيد الله) استعارة لقدرته عز وجل (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) أن