ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثًا) أي الذنوب الثلاثة وسقط لفظ ثلاثًا لأبي ذر كقوله (فليعمل ما شاء) إذا كان هذا دأبه يذنب الذنب فيتوب منه ويستغفر لا أنه يذنب الذنب ثم يعود إليه فإن هذه توبة الكذّابين؛ ويدل له قوله: أصاب ذنبًا آخر كذا قرّره المنذري.
وقال أبو العباس في المفهم: هذا الحديث يدل على عظم فائدة الاستغفار وكثرة فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي يثبت معناه في القلب مقارنًا للسان لتنحل به عقدة الإصرار ويحصل مع الندم، ويشهد له حديث: خياركم كل مفتن توّاب أي الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في ذنب عاد إلى التوبة لا من قال: أستغفر الله بلسانه وقلبه مصرّ على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى استغفار. وفي حديث ابن عباس عند ابن أبي الدنيا مرفوعًا: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه المستهزئ بربه، لكن الراجح أن قوله والمستغفر إلى آخره موقوف.
وقال ابن بطال في هذا الحديث إن المصرّ على المعصية في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبًا لحسنته التي جاء بها وهي اعتقاد أن له ربًّا خالقًا يعذبهُ ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: ١٦٠] ولا حسنة أعظم من التوحيد. فإن قيل إن استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصرّ والتائب ولا دلالة في الحديث على أنه تاب مما سأل الغفران عنه لأن حدّ التوبة الرجوع عن الذنب والعزم أن لا يعود إليه والإقلاع عنه والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك.
وقال السبكي في الحلبيات: الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما، فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد قول الخير، والثاني نافع جدًّا، والثالث أبلغ منه لكن لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة منه فإن العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة إلى أن قال: والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند كثيرٍ من الناس أن لفظ أستغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محالة، ثم قال: وذكر بعضهم أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لقوله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: ٣] والمشهور أنه لا يشترط. وقال بعضهم: يكفي في التوبة
تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه، ومن ثم جاء الحديث "الندم توبة" وهو حديث حسن من حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه ابن حبان من حديث أنس وصححه اهـ ملخصًا من فتح الباري.
وسقط للأصيلي فقال أعلم عبدي أن له ربًّا الثالثة إلى آخر الحديث ومطابقته للترجمة في قوله فقال له ربه وفي قوله فقال أعلم عبدي، وأخرجه مسلم في التوبة والنسائي في اليوم والليلة.
٧٥٠٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِى «أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَىَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِى -أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِى- فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِى فِيهَا». فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّى فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ: أَىْ عَبْدِى مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا». وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَذْرُونِى فِى الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) البصري قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن عقبة بن عبد الغافر) الأزدي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً) لم يسم (فيمن سلف) في جملتهم (أو فيمن كان قبلكم) أي في بني إسرائيل والشك من الراوي وللأصيلي قبلهم بالهاء بدل الكاف (قال) عليه الصلاة والسلام (كلمة يعني) معنى الكلمة.
(أعطاه الله) عز وجل وسبق في بني إسرائيل رغسه الله وهو معنى أعطاه الله (مالاً وولدًا فلما حضرت الوفاة) أي حضرته الوفاة ولأبي ذر فلما حضره الوفاة (قال لبنيه أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب). قال أبو البقاء هو بنصب أي على أنه خبر كنت وجاز تقديمه لكونه استفهامًا ويجوز الرفع. قلت: وهو الذي في الفرع وصحح عليه وخير أب قال أبو البقاء الأجود فيه النصب على تقدير كنت خير أب فيوافق ما هو جواب عنه ويجوز الرفع بتقدير أنت خير أب (قال: فإنه لم يبتئر)