الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فيقول: فإنك لا تظلم فتوضع في السجلاّت في كفّة والبطاقة في كفّة فطاشت السجلاّت وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء". وقال ابن ماجة بدل لقوله إن الله يستخلص رجلاً من أمتي يصاح برجل من أمتي، وقال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة وهذا يدل على الميزان الحقيقي؛ وأن الموزون صحف الأعمال ويكون رجحانها باعتبار كثرة ما كتب فيها وخفتها بقلّته فلا إشكال، وقيل إنه ميزان كميزان الشعر وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف ولو جاز حمله على ذلك لجاز حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد من الأحزان والأفراح وهذا كله فاسد لأنه ورد لما جاء به الصادق على ما لا يخفى.
فإن قلت: أهل القيامة إما أن يكونوا عالمين بكونه تعالى عادلاً غير ظالم أو لا. فإن علموا ذلك كان مجرد حكمه كافيًا فلا فائدة في وضع الميزان وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف وحينئذ فلا فائدة في وضعها أصلاً. أجيب: بأنهم عالمون بعدله تعالى وإنما فعل ذلك لإقامة الحجة عليهم وبيانًا لكونه لا يظلم مثقال ذرة وإظهارًا لعظمة قدرته في أن كل كفّة طباق السماوات والأرض ترجح بمثقال الحبة من الخردل وتخف وأيضًا فإنه ﷾ لا يسأل عما يفعل. وقد روي عن سلمان أنه قال: فإن أنكر ذلك منكر جاهل بمعنى توجيه معنى خبر الله تعالى وخبر رسوله ﷺ عن الميزان وقال أو بالله حاجة إلى وزن الأشياء وهو العالم بمقدر كل شيء قبل خلقه إياه وبعده في كل حال. قيل له: وزان ذلك إثباته إياه في أم الكتاب واستنساخه في الكتب من غير حاجة إلى ذلك لأنه سبحانه لا يخاف النسيان وهو عالم بكل ذلك على كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده وإنما يفعل ذلك تعالى ليكون حجة على خلقه كما قال تعالى: ﴿كل
أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾ [الجاثية: ٢٨، ٢٩] فكذلك وزنه تعالى لأعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم وإظهار لكرمه وعفوه ومغفرته وحلمه مع قدرته بعد اطّلاع كل أحد منّا على مساويه ومسامحته له وغفرانه وإدخاله إياه الجنة بعد معصيته.
وحكى الزركشي عن بعضهم أن رجحان الوزن في الآخرة بصعود الراجح عكس الوزن في الدنيا واستند في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ [فاطر: ١٠] الآية. وهو غريب مصادم لقوله تعالى: ﴿فأما من ثقلت موازينه﴾ [القارعة: ٦] الآية. وقد جاء أن كفّة الحسنات من نور والأخرى من ظلام وأن الجنة توضع عن يمين العرش والنار عن يساره ويؤتى بالميزان فينصب بين يدي الله ﷿ كفّة الحسنات عن يمين العرش مقابلة الجنة وكفّة السيئات عن يسار العرش مقابلة النار ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأبو القاسم اللالكائي في سُننه، وعن حذيفة موقوفًا: إن صاحب الميزان يوم القيامة جبريل ﵇، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا قال: ملك الموت موكل بالميزان.
وفي الطبراني الصغير من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله أي يوم القيامة يا آدم قد جعلتك حكمًا بيني وبين ذريّتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أُدخل منهم النار إلا ظالمًا. الحديث. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرّد به عبد الأعلى.
وعند الحاكم عن سلمان مرفوعًا يوضع الميزان يوم القيامة فلو آوى فيه السماوات والأرض لوضعت فتقول الملائكة: يا رب لم تزن بهذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.