للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خالق إجمال بعد تفصيل لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله يفيد الاستمرار من بدء الخلق إلى الأبد.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطّت خطاياه وإن كنت مثل زبد البحر" رواه الشيخان وهذا وأمثاله نحو: ما طلعت عليه الشمس وكنايات عبّر بها عن الكثرة عرفًا. وظاهرًا لإطلاق يُشْعِر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار وهذه الفضائل الواردة في التسبيح ونحوه ما قال ابن بطال وغيره إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا يظن ظانّ أن من أدمن الذكر وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدّسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح وفي الترمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" والقيعان: جمع القاع وهو المستوي من الأرض والغراس: جمع غرس وهو ما يغرس، والغرس: إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي.

وقال الطيبي: وهاهنا إشكال لأن هذا الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل قوله تعالى: ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ وقوله تعالى: (﴿أُعِدَّت للمتقين﴾ [آل عمران: ١٣٣] على أنها غير خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة

بالتفاف أغصانها وتركيب الجنة دائر على معنى الستر وأنها مخلوقة معدّة والجواب أنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجارًا وقصورًا على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إن الله تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقًا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله للأشجار عمل العامل أسند الغراس إليه والله أعلم بالصواب.

ولما كان التسبيح مشروعًا في الختام ختم البخاري -رحمه الله تعالى- كتابه بكتاب التوحيد والحمد بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة. قال الله تعالى: ﴿دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ [يونس: ١٠] قال القاضي: لعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حيّاهم الملائكة بالسلامة من الآفات والفوز بأصناف الكرامات فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام. قال في فتوح الغيب: ولعل الظاهر أن يضاف السلام إلى الله ﷿ إكرامًا لأهل الجنة، وينصره قوله تعالى في سورة يس: ﴿سلام قولاً من رب رحيم﴾ [يس: ٥٨] أي يسلم عليهم بغير واسطة مبالغة في تعظيمهم وإكرامهم وذلك متمناهم وهذا يدل على أنه يحصل للمؤمنين بعد نعيمهم في الجنة ثلاثة أنواع من الكرامات. أولها ﴿سلام قولاً من رب رحيم﴾ وثانيها: ما يقولون عند مشاهدتها سبحانك اللهم وهي سطوع نور الجمال من وراء حجاب الجلال وما أفخم شأن اقتران اللهم بسبحانك في هذا المقام كأنهم لما رأوا أشعة تلك الأنوار لم يتمالكوا أن لا يرفعوا أصواتهم وآخرها أجل منهما، ولذلك ختموا الدعاء عند رؤيتها بالحمد لله رب العالمين وما هي إلا نعمة الرؤية التي كل نعمة دونها، فكأن الكرامات الأول كالتمهيد للثالثة وما أشد طباق هذا التأويل بما رويناه عن ابن ماجة عن جابر

<<  <  ج: ص:  >  >>