الكوفي، المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وله مائة وعشرون سنة (يقول: حدّثنا صاحب هذه الدار) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما صرّح به مالك بن مغول عند المؤلّف في الجهاد، (وأشار) أبو عمرو الشيباني (بيده إلى دار عبد الله) بن مسعود اكتفاء بالإشارة المهمة عن التصريح (قال:
(سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-َ (الصلاة على وقتها) اتفق أصحاب
شعبة على هذا اللفظ، وخالفهم علي بن حفص وهو ممن احتج به مسلم فقال:(الصلاة في أول وقتها) رواه الحاكم والدارقطني واحترز بقوله على وقتها عما إذا وقعت الصلاة خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي، فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بتحريم ولا بأنه أفضل الأعمال مع أنه محجوب، لكن إيقاعها في الوقت أحب.
ووجه المطابقة بين الترجمة باللام وبين الحديث بعلى أن اللام قد تأتي بمعنى على وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض عند الكوفيين كهي في قوله تعالى:{ويخرّون للأذقان}[الإسراء: ١٠٩]. أي عليها {وتله للجبين}[الصافات: ١٠٣]. أي عليه أو هي لام التأقيت والتأريخ كهي في قوله تعالى:{فطلقوهن لعدتهن}[الطلاق: ١] أي وقتها وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان وما أشبهها للتأقيت، ومن عدّ العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات قاله البيضاوي، فعلى قول الكوفيين إن حروف الجر تنوب بعضها عن بعض فهما متطابقان، وإلاّ فمتغايران لأن على للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه واللام لاستقبال الوقت، أو اللام بمعنى في لأن الوقت ظرف لها. قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء: ٤٧] أي فيه.
(قال) أي ابن مسعود قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سمعه أبو الفرج بن الجوزي من ابن الخشاب. وقال: يعني ابن الخشاب لا يجوز غيره لأنه اسم معرب غير مضاف، وأجاب الزركشي في تعليق العمدة بأنه مضاف تقديرًا والمضاف إليه محذوف لوقوعه في الاستفهام والتقدير، ثم أي العمل أفضل؟ قال: فالأولى أن يوقف عليه بإسكان الياء، وتعقبه في المصابيح فقال: كأنه فهم أن ابن الخشاب نفى كونه مضافًا مطلقًا حتى أورد عليه أنه مضاف تقديرًا، وليس هذا مراد ابن الخشاب قطعًا إذ هو بصدد تعليل إيجاب التنوين فيه وهو يثبت بكونه غير مضاف لفظًا وتقدير الإضافة لا يوجب عدم تنوينه، بل ولا يجوزه، وتوجيه الفاكهاني في شرح العمدة بأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب منه عليه الصلاة والسلام، والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا، وحينئذ فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده. أجيب: عنه بأن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكي عنه في الابتداء والوقف، بل يفعل هو ما تقتضيه حالته التي هو فيها والاستعمالات الفصيحة شاهدة بذلك. قال الله تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢] فهذا كلام محكي بدئ بهمزة قطع وختم بتنوين ولم يقل أحد بوجوب الوقف على ما قالوا محافظة على الإتيان بهمزة القطع كما كانت في كلامهم المحكي ولا بوجوب الوقف على الميم بالسكون كما وقفوا عليه. بل يجوز الوصل إجماعًا فتراعى حالته قاله الدماميني.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (بر الوالدين) بالإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك عقوقهما وللمستملي ثم بر الوالدين (قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه قلت: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سبق (قال) عليه الصلاة والسلام: (الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله عز وجل وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال. (قال) ابن مسعود رضي الله عنه: (حدّثني بهن) أي بالثلاثة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو استزدته) أي طلبت منه الزيادة في السؤال (لزادني) في الجواب.
فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب ونحو: إن إطعام الطعام خير أعمال الإسلام؟ أجيب: بأن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين. فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما هو لائق بهم، أو الاختلاف باختلاف