بعد العام للاهتمام نحو والملائكة وجبريل. وعورض بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها.
وأجيب بأنها إذا كانت في سياق الشرط تعم، ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد، وإنما وقع الذم هنا على مباح ولا ذم فيه ولا مدح لكون فاعله أبطن خلاف ما أظهر، إذ خروجه في الظاهر ليس لطلب الدنيا لأنه إنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة، والهجرة بكسر الهاء الترك والمراد هنا من هاجر من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة فلا هجرة بعد الفتح، لكن جهاد ونية كما قال ﵊، نعم حكمها من دار الكفر إلى دار الإسلام مستمر، وفي الحقيقة هي مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه، وفي الحديث:"المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". ودنيا بضم الدال مقصورة غير منوّنة للتأنيث والعلمية وقد تكسر وتنوّن، وحكي عن الكشميهني أنكر
عليه وأنه لا يعرف في اللغة التنوين، ولم يكن الكشميهني ممن يرجع إليه في ذلك اهـ. والصحيح جوازه قال في القاموس: والدنيا نقيض الآخرة وقد تنوّن وجمعها دنى اهـ، واستدلوا له بقوله:
إني مقسم ما ملكت فجاعل … جزءًا لآخرتي ودنيا تنفع
فإن ابن الأعرابيّ أنشده منوّنًا وليس بضرورة كما لا يخفى، والدنيا فعلى من الدنوّ وهو القرب، سميت بذلك لسبقها للأخرى، وهي ما على الأرض من الجوّ والهواء أو هي كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، أو لدنوّها من الزوال. ووقع في رواية الحميدي هذه حذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ. وقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي، فقال ابن العربي: لا عذر للبخاري في إسقاطه لأن الحميدي رواه في مسنده على التمام، قال: وقد ذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدّثه هكذا فحدّث عنه كما سمع أو حدّثه به تامًّا فسقط من حفظ البخاري. قال: وهو أمر مستبعد جدًّا عند من اطّلع على أحوال القوم، وجاء من طريق بشر بن موسى، وصحيح أبي عوانة، ومستخرجي أبي نعيم على الصحيحين من طريق الحميدي تامًّا، ولعل المؤلف إنما اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ميلاً إلى جواز الاختصار من الحديث ولو من أثنائه كما هو الراجح، وقيل غير ذلك. وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام.
قال أبو داود: يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث: "الأعمال بالنيات"، و"حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" و"لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"، و"الحلال بيّن والحرام بيّن". وذكر غيره غيرها. وقال الشافعي وأحمد إنه يدخل فيه ثلث العلم. قال البيهقي: إذا كسب العبد إما بقلبه أو بلسانه أو ببقية جوارحه. وعن الشافعي أيضًا أنه يدخل فيه نصف العلم، ووجه بأن للدين ظاهرًا وباطنًا، والنية متعلقة بالباطن والعمل هو الظاهر. وأيضًا فالنية عبودية القلب، والعمل عبودية الجوارح. وقد زعم بعضهم أنه متواتر وليس كذلك لأن الصحيح أنه لم يروه عن النبي ﷺ إلا عمر، ولم يروه عن عمر إلا علقمه، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر. فقيل: رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل سبعمائة، من أعيانهم مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وسعيد وابن عيينة، وقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب بشيخ الإسلام أنه كتبه عن سبعمائة رجل أيضًا من أصحاب يحيى بن سعيد فهو مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله، نعم المشهور ملحق بالمتواتر عند أهل الحديث، غير أنه يفيد العلم النظري إذا كانت طرقه متباينة سالمة من ضعف الرواة ومن التعليل. والمتواتر يفيد العلم الضروري، ولا تشترط فيه عدالة ناقله وبذلك افترقا. وقد توبع علقمة والتيمي ويحيى بن سعيد على روايتهم. قال ابن منده: هذا الحديث رواه عن عمر غير علقمة ابنه عبد الله وجابر وأبو جحيفة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وذو الكلاع وعطاء بن يسار وناشرة بن سمي ووأصل بن عمرو الجذامي ومحمد بن المنكدر،