إلى الكوفة ليحصل الكشف عنه بحضرته، ليكون أبعد من التهمة، (فسأل) بالفاء (عنه) أي عن سعد، وللأربعة: يسأل عنه (أهل الكوفة) كيف حاله بينهم؟ (ولم) بالواو، وللأصيلي وابن عساكر: فلم (يدع) أي: فلم يترك الرجل المرسل (مسجدًا) من مساجد الكوفة (إلاّ سأل عنه) أي عن سعد (و) الحال أن أهل الكوفة (يثنون عليه معروفًا) أي خيرًا (حتى دخل مسجدًا لبني عبس) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة آخره مهملة، قبيلة كبيرة من قي، زاد سيف في روايته، فقال محمد بن مسلمة: أنشد الله رجلاً يعلم حقًا إلاّ قال. (فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى) بضم الياء وسكون الكاف وفتح النون (أبا سعدة) بفتح السين وسكون العين المهملتين (قال) وللأصيلي: فقال: (أما) بتشديد الميم أي: أما غيري فأثنى عليه، وأما نحن (إذ) أي حين (نشدتنا) بفتح الشين، أي سألتنا بالله (فإن سعدًا كان لا يسير) وللأصيلي: فإن سعدًا لا يسير (بالسرية) بفتح السين المهملة وكسر الراء المخففة، القطعة من الجيش والباء للمصاحبة، أي لا يخرج بنفسه معها، فنفى عنه الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية، وفي رواية جرير وسفيان: لا ينفر في السرية (ولا يقسم بالسوية) فنفى عنه العفّة التي هي كمال القوة الشهوانية، (ولا يعدل في القضية) أي الحكومة والقضاء، وفي رواية سيف: ولا يعدل في الرعية، فنفى عنه الحكمة التي هي كمال القوة العقلية، وفيه سلب للعدل عنه بالكلية، وهو قدح في الدين.
(وقال سعد: أما والله) بتخفيف الميم حرف استفتاح (لأدعون) عليك (بثلاث) من الدعوات، واللام كالنون الثقيلة للتوكيد:(اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبًا) أي فيما نسبني إليه (قام رياء وسمعة) ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه ليذكر به، وعلق الدعاء بشرط كذبه، أو كون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي، فراعى الإنصاف والعدل رضي الله عنه (فأطل عمره) في اليونينية بسكون الميم أي: عمره بحيث يرد إلى أسفل سافلين، ويصير إلى أرذل العمر، ويضعف قواه وينتكس في الخلق، فهو دعاء عليه لا له. (وأطل فقره) وفي نسخة: وأقلل رزقه، وفي رواية جرير: وشدد فقره، وفي رواية سيف: وأكثر عياله. وهذه الحالة بئست الحالة، وهي طول العمر مع الفقر وكثرة العيال، نسأل الله العفو والعافية. (وعرضه بالفتن) بالموحدة، وفي نسخة: للفتن، أي اجعله عرضة لها.
وإنما ساغ لسعد أن يدعو على أخيه المسلم بهذه الدعوات لأنه ظلمه بالافتراء عليه. فإن قلت: إن الدعاء بمثل هذا يستلزم تمنّي المسلم وقوع المسلم في المعاصي، أجيب: بأن ذلك جائز من حيث كون ذلك يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، كتمني الشهادة المشروع، وإن كان حاصله تمني قتل الكافر للمسلم وهو معصية، ووهن في الدين. لكن الغرض من تمني إلشهادة ثوابها لا نفسها، وقد وجد ذلك في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كقول نوح:{وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً}[نوح: ٢٤]. وإنما ثلث عليه الدعوة لأنه ثلث في نفي الفضائل عنه، لا سيما الثلاث التي هي أصول الفضائل كما مرّ، والثلاث تتعلق بالنفس والمال والدين، فقابلها بمثلها. فبالنفس، طول العمر، وبالمال: الفقر، وبالدين: الوقوع في الفتن.
(قال) عبد الملك بن عمير، كما بينه جرير في روايته (وكان) بالواو، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي: فكان (بعد) أي فكان أبو سعدة بعد ذلك (إذا سئل) عن حال نفسه، وفي رواية ابن عيينة: إذا قيل له: كيف أنت؟ (يقول): أنا (شيخ كبير) صفة الخبر المقدر مبتدؤه بأنا (مفتون، أصابتني دعوة سعد) أفرد الدعوة وهي ثلاثة على إرادة الجنس، وفي رواية ابن عيينة: ولا تكون فتنة إلاّ وهو فيها، فإن قلت: لِمَ لَمْ يذكر الدعوة الأخرى، وهي الفقر، أجيب، بأنها داخلة في قوله: أصابتني. لكن وقع التصريح بذلك عند الطبراني، ولفظه: قال عبد الملك، فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال: كبير فقير مفتون.
(قال عبد الملك) بن عمير: (فأنا) بالفاء، ولأبي الوقت: وأنا (رأيته بعد، قد سقط حاجباه) أي شعرهما (على عينيه من الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة، (وإنه) أي أبا سعدة (ليتعرض