بركنيتها وافتراضها بالمعنى الذي سميتموه وجوبًا، فلا زيادة.
واختلف المالكية هل تجب الفاتحة في كل ركعة أو الحل؟ والقولان في المدونة. وشهر ابن شاس الرواية الأولى. قال القاضي عبد الوهاب وهو المشهور من المذهب، والذي رجع إليه، هي الرواية الثانية. قال القرافي: وهو ظاهر المذهب قاله بهرام.
وحديث الباب لا دلالة فيه على وجوبها في كل ركعة، بل مفهومه الدلالة على الصحة بقراءتها في ركعة واحدة منها لأن فعلها في ركعة واحدة يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة.
نعم يدل للقائلين بوجوبها في كل ركعة وهم الجمهور قوله ﵊: وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة، وقوله في حديث أحمد وابن حبان. ثم افعل ذلك في كل ركعة.
ولم يفرضها الحنفية لإطلاق قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ﴾ [المزمل: ٢٠]. فتجوز الصلاة بأي قراءة كانت.
قالوا والزيادة على النص تكون نسخًا لإطلاقه، وذا غير جائز، ولا يجوز أن يجعل بيانًا للآية، لأنه لا إجمال فيها، إذ المجمل ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث، فيكون واجبًا إثم تاركه، وتجزئ الصلاة بدونه.
والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة كمدهامتان، وقال صاحباه آية طويلة أو ثلاث آيات، وتتعين ركعتان لفرض القراءة لقوله ﵊، القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، وتسن في الأخريين الفاتحة خاصة، وإن سبّح فيهما أو سكت جاز لعدم فرضية القراءة فيهما.
لنا قوله ﵊: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، رواه الإسماعيلي بسند حديث الباب من طريق العباس بن الوليد النرسي، أحد شيوخ البخاري، وقوله ﵊: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، رواه ابن خزيمة.
واستدلّ من أسقطها عن المأموم مطلقًا كالحنفية بحديث: من صلّى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة.
قال في الفتح وهو حديث ضعيف عند الحفاظ.
واستدلّ من أسقطها عنه في الجهرية، كالمالكية بحديث: فإذا قرأ فأنصتوا. رواه مسلم، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين، فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام، ويقرأ إذا سكت. وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام.
وقد ثبت الإذن بقراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية بغير قيد، فيما رواه المؤلّف في جزء القراءة، والترمذي وابن حبان عن عبادة قال: إن النبي ﷺ ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال ﷺ: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة إلاّ بها.
ورواة حديث الباب ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة والقول أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
٧٥٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ (ثَلَاثًا). فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ،
فَعَلِّمْنِي: فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا".
[الحديث ٧٥٧ - أطرافه ٧٩٣، ٦٢٥١، ٦٢٥٢، ٦٦٦٧].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي: حدَّثنا (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (عن أبيه) أبي سعيد المقبري.
قال الدارقطني: خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه، ويحيى حافظ، فيشبه أن يكون عبيد الله حدّث به على الوجهين.
قال الحافظ ابن حجر: ولكلٍّ من الروايتين وجه يرجح، فأما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدًا لم يوصف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين، فأخرج البخاري طريق يحيى هنا في باب: وجوب القراءة. وأخرج في: الاستئذان طريق عبيد الله بن نمير، وفي: الإيمان والنذور طريق أبي أسامة، كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه.
وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة (عن أبي هريرة) ﵁ (أن رسول الله ﷺ، دخل المسجد، فدخل رجل) هو خلاد بن رافع، جدّ علي بن يحيى بن خلاد، (فصلّى) زاد في رواية داود