الكراهة فيما يظهر أن السورة يرتبط بعضها ببعض، فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن انقطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن وقف في تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى. اهـ.
واستنبط جواز جميع ما ذكره في الترجمة من قول قتادة: (كل) أي كل ذلك (كتاب الله) ﷿. فعلى أي وجه يقرأ لا كراهة فيه.
ويؤيد الصورة الأولى من قول قتادة قراءته ﵊ في المغرب: بآل عمران، فرّقها في ركعتين رواه النسائي.
والثاني حديث معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلاً من جهينة أخبره، أنه سمع رسول الله ﷺ
يقرأ في الصبح ﴿إذا زلزلت﴾ في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي رسول الله ﷺ، أم قرأ ذلك
عمدًا. ولم يذكر المؤلّف في الترجمة ترديد السورة.
٧٧٤ م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ﵁: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ -فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» ".
(وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، مما وصله الترمذي والبزار عن المؤلّف، عن إسماعيل بن أبي أويس، عنه (عن ثابت)
البناني (عن أنس) ولأبي ذر والأصيلي كما في الفرع وأصله زيادة: ابن مالك: (كان رجل من الأنصار) اسمه كلثوم بضم الكاف، ابن هدم، بكسر الهاء وسكون الدال، (يؤمهم في مسجد قباء، وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فكان (كلما افتتح سورة) ولأبي ذر والأصيلي: بسورة، بموحدة في الأوّل (يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به) بالضم مبنيًا للمفعول، أي: في الصلوات التي يقرأ فيها جهرًا، ولابن عساكر: مما يقرأ بها وجواب كلما قوله: (افتتح) بعد الفاتحة (بـ ﴿قل هو الله أحد﴾ حتى يفرغ منها) أي: إذا أراد الافتتاح وإلاّ فهو إذا افتتح سورة لا يكون مفتتحًا بغيرها، (ثم يقرأ سورة) ولأبي ذر: بسورة (أخرى معها) أي مع ﴿قل هو الله أحد﴾ (وكان يصنع ذلك) الذي ذكر من الافتتاح بالإخلاص، ثم بسورة معها (في كل ركعة، فكلمة أصحابه) لأن فعله ذلك بخلاف ما يعهدونه، (فقالوا) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت: وقالوا: (إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك) بضم أوّله مع الهمز، كما في الفرع وأصله، من الإجزاء. ويروى: تجزيك بفتحة من جزى، أي لا ترى أنها تكفيك، (حتى تقرأ بأخرى) ولأبي ذر والأصيلي: بالأخرى (فإما أن تقرأ بها) ولغير أبي ذر: فإما تقرأ بها (وإما أن تدعها) تتركها (وتقرأ بأخرى) غير ﴿قل هو الله أحد﴾ (فقال) الرجل (ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه) وللأصيلي: يرونه (من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره) لكونه من أفضلهم، أو لكونه ﵊ هو الذي قرره (فلما أتاهم النبي ﷺ أخبروه) هذا (الخبر) المذكور، فأل للعهد (فقال) له ﵊: (يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به) أي الذي يقوله لك (أصحابك) من قراءة سورة الإخلاص فقط، أو غيرها فقط، وليس هذا أمرًا على الأصطلاح، لأن الأمر هو قول القائل لغيره، افعل كذا. على سبيل الاستعلاء، فالعاري عنه يسمى التماسًا، وإنما جعله أمرًا هنا لأنه لازم التخيير المذكور، وكأنهم قالوا له: الفعل كذا أو كذا. (وما يحملك) أي وما الباعث لك (على لزوم) قراءة (هذه السورة) ﴿قل هو الله أحد﴾.
(في كل ركعة) سأله عن أمرين.
(فقال) الرجل مجيبًا عن الثاني منهما (إني أحبها) أي أقرأها لمحبتي إياها إذ لا يصح أن يكون جوابًا عن الأول لأن محبتها لا تمنع أن يقرأ بها فقط وهم إنما خيّروه بينها فقط أو غيرها فقط لكنه مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السُّنّة المعهودة من الصلاة بقراءة سوة أخرى فالمانع مركب من المحبة وعهد الصلاة.
(فقال) له ﵊: (حبك إياها) أي سورة الإخلاص، والحب مصدر مضاف لفاعله، وارتفاعه بالابتداء والخبر قوله (أدخلك الجنة) لأنها صفة الرحمن تعالى، فحبها يدل على حسن اعتقاده في الدين، وعبر بالماضي، وإن كان دخول الجنة مستقبلاً، لتحقّق الوقوع.
وفيه جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وروي عن عثمان