للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(إلى أهله) عياله. (ويتزود لذلك) برفع الدال في اليونينية لأبوي ذر والوقت عطفًا على يتحنث، أي يتخذ الزاد للخلوة أو التعبد. (ثم يرجع إلى خديجة) رضي الله عنها، (فيتزود لمثلها) أي لمثل الليالي وتخصيص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل يحتمل أنه تفسير بعد الإبهام أو إشارة إلى اختصاص التزوّد بكونه من عندها دون غيرها، وفيه: أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السُّنّة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينقطع في الغار بالكلية، بل كان يرجع إلى أهله لضروراتهم ثم يخرج لتحنثه.

(حتى جاءه) الأمر (الحق) وهو الوحي (وهو في غار حراء، فجاءه الملك) جبريل يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وهو ابن أربعين سنة كما رواه ابن سعد. وفاء فجاءه تفسيرية كهي في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤] تفصيلية أيضًا لأن المجيء تفصيل للمجمل الذي هو مجيء الحق. (فقال) له (اقرأ) يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه وأن يكون على بابه من الطلب، فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد. (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت قلت (ما أنا بقارىء). وفي رواية ما أحسن أن أقرأ. فما نافية واسمها أنا وخبرها بقارىء وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها وهي لا تدخل على ما الاستفهامية. وأجيب بأنها استفهامية بدليل رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحق ماذا أقرأ؟ وبأن الأخفش جوّز دخول الباء على الخبر المثبت، قال ابن مالك في بحسبك زيد أن زيدًا مبتدأ مؤخر لأنه معرفة، وحسبك خبر مقدّم لأنه نكرة، والباء زائدة فيه. وفي مرسل عبيد بن عمير أنه عليه الصلاة والسلام قال: أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. قال السهيلي، وقال بعض المفسرين أن قوله تعالى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ١، ٢] إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل عليه السلام حين قال له اقرأ. (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأخذني) جبريل (فغطني) بالغين المعجمة ثم المهملة أي ضمني وعصرني، وعند الطبري فغتني بالمثناة الفوقية بدل الطاء وهو حب النفس. (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعي، فهو مفعول حذف فاعله. وفي شرح المشكاة أن المعنى على النصب أن جبريل بلغ في الجهد غايته، وتعقبه التوربشتي بأنه يعود المعنى إلى جبريل غطه حتى استفرغ قوته وجهد جهده بحيث لم تبق فيه بقية، قال: وهذا قول غير سديد فإن البنية البشرية لا تستدعي استنفاد القوة الملكية لا سيما في مبدأ الأمر، وقد دلت القصة على أنه اشمأز من ذلك وداخله الرعب، وحينئذ فمن رواه بالنصب فقد وهم. وأجاب الطيبي بأن جبريل في حال الغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى له بها عند سدرة المنتهى، فيكون استفراغ جهده بحسب الصورة التي تجلى له بها وغطه وحينئذ فيضمحل الاستبعاد انتهى.

ويروى الجهد بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه فهو فاعل بلغ. (ثم أرسلني) أي أطلقني. (فقال: اقرأ. قلت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فقلت: (ما أنا بقارىء فأخذني فغطني

الثانية حتى بلغ مني الجهد) بالفتح والنصب وبالضم والرفع كسابقه. (ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة) وهذا الغط ليفرّغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكنيته إلى ما يلقى إليه. وكرره للمبالغة واستدل به على أن المؤدب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضربات. وقيل: الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا، والثانية ليتفرغ لما يوحى إليه، والثالثة للمؤانسة، ولا يذكر الجهد هنا، نعم هو ثابت عنده في التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- وعدّ بعضهم هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، إذ لم يناقل عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله. (ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق). قال الطيبي: هذا أمر بإيجاد القراءة مطلقًا، وهو لا يختص بمقروء دون مقروء، فقوله: باسم ربك حال. أي اقرأ مفتتحًا باسم ربك، أي قل بسم الله الرحمن الرحيم. وهذا يدل على أن البسملة

<<  <  ج: ص:  >  >>