من المؤمنين) من باب عطف العام على الخاص. ثم يقول ﷺ (اللهم اشدد) بهمزة وصل، وقول العيني: بضم الهمزة محمول على الابتداء بها (وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء وفتح الهمزة، من الوطء. وهو شدة الاعتماد على الرجل، والمراد اشدد بأسك أو عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) فالمراد القبيلة، ومضر بميم مضمومة وضاد معجمة غير منصرف، وهو ابن نزار بن معد بن عدنان (واجعلها) قال الزركشي: الضمير للوطأة أو للأيام وإن لم يسبق له ذكر لما دل عليه المفعول الثاني الذي هو سنين.
قال في المصابيح: ولا مانع من أن يجعل عائدًا على السنين لا إلى الأيام التي دلّت عليها سنين، وقد نصوا على جواز عود الضمير على المتأخر لفظًا ورتبةً إذا كان مخبرًا عنه بخبر يفسره، مثل ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن﴾ من هذا القبيل. انتهى.
أي واجعل السنين (عليهم سنين) جمع سنة، والمراد بها هنا زمن القحط (كسني يوسف) الصديق ﵇ السبع الشداد في القحط، وامتداد زمان المحنة والبلاء، وبلوغ غاية الجهد والضراء، وأسقط نون سنين للإضافة جريًا على اللغة الغالبة فيه. وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم، لكنه شاذ لكونه غير عاقل، ولتغيير مفرده بكسر أوّله. ولهذا أعربه بعضهم بحركات على النون، كالمفرد كقوله:
دعاني من نجد فإن سنينه … لعبن بنا شيبًا وشيَّبننا مُردا
وليس قوله: سنين عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر كما في الفرع وأصله.
(وأهل المشرق يومئذٍ من مضر مخالفون له) ﵊.
ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة.
٨٠٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ فَرَسٍ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ- فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: صَلَّيْنَا قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لَقَدْ حَفِظَ. كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ، حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ. فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ: فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني البصري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة) تأكيد لروايته (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: سمعت أنس بن مالك) ﵁ (يقول: سقط رسول الله ﷺ عن فرس وربما قال سفيان) بن عيينة: (من) بدل عن، وللأصيلي: وربما قال من (فرس) فأسقط لفظ سفيان، (فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء آخره شين معجمة، أي خدش (شقه الأيمن، فدخلنا عليه) حال كوننا (نعوده، فحضرت الصلاة، فصلّى بنا) ﵊ حال كونه (قاعدًا، وقعدنا) بالواو، وللأصيلي: فقعدنا.
(وقال سفيان) بن عيينة (مرة: صلينا قعودًا) مصدر أو جمع قاعدًا (فلما قضى) ﵊ (الصلاة) أي فرغ منها، (قال) ﵊:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو، أي بعد قوله: سمع الله لمن حمده (وإذا سجد فاسجدوا).
(كذا) ولغير أبي ذر والأصيلي: قال سفيان، أي لعلي المديني مستفهمًا له بهمزة مقدرة قبل قوله: كذا (جاء به معمر) بفتح الميمين، ابن راشد البصري، قال عليّ: (قلت: نعم) جاء به معمر.
كذا قال الحافظ ابن حجر، كأن مستند عليّ في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر، فإنه من مشايخه بخلاف معمر فإنه لم يدركه، وإنما يروي عنه بواسطة وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك. انتهى.
قلت: بل صرّح به البرماوي حيث قال: فابن المديني كما يرويه عن سفيان، عن الزهري، يرويه عن معمر عن الزهري.
وما قاله الحافظ يردّه.
(قال) سفيان: والله (لقد حفظ) معمر عن الزهري حفظًا صحيحًا متقنًا. (كذا قال الزهري) أي: كما قال معمر: (ولك الحمد) بالواو وفيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو.
وأراد سفيان بهذا الاستفهام تقرير روايته برواية معمر له، وفيه تحسين حفظه.
قال سفيان بن عيينة (حفظت) ولابن عساكر: وحفظت أي: من الزهري أنه قال: فجحش (من شقه الأيمن، فلما خرجنا من عند) ابن شهاب (الزهري، قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أنا عنده) أي عند الزهري: فقال: (فجحش ساقه الأيمن) بلفظ: الساق بدل الشق، فهو عطف على مقدّر، أو جملة حالية من فاعل قال مقدّرًا. أي: قال الزهري وأنا عنده: ويحتمل أن يكون هذا مقول سفيان لا مقول ابن