سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره. وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه. (السلام) الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وهو عموم بعد خصوص.
وجوّز النووي، رحمه الله، حذف اللام من السلام في الموضعين، قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين. اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس، وهو من أفراد مسلم.
(فإنكم إذا قلتموها) أي قوله: وعلى عباد الله الصالحين (أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) جملة اعتراض بين قوله: الصالحين وتاليها الآتي، فائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا يمكن استيفاؤهم.
وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم، وأن له صيغًا، وهذه منها. قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسُّنّة. اهـ
وفيه خلاف عند أهل الأصول.
(أشهد أن لا إله إلاّ الله) زاد ابن أبي شيبة: وحده لا شريك له. وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السُّنن: وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجّحه الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي. لكن المختار أنه يجوز: ورسوله. لما ثبت في مسلم، رواه البخاري هنا.
وحديث التشهد روي عن جماعة من الصحابة منهم:
ابن مسعود رضي الله عنه، رواه المؤلّف والباقون، ولفظ مسلم: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
التشهد، كفى بين كفيه، كما يعلمنا السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم فليقل: إلخ. وزاد في غير الترمذي وابن ماجة: "وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، واختاره أبو حنيفة وأحمد والجمهور لأنه أصح ما في الباب، واتفق عليه الشيخان قال النووي: إنه أشدها صحة باتفاق المحدثين، وروي من نيف وعشرين طريقًا وثبتت فيه الواو بين الجملتين، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلاً بخلاف غيرها من الروايات، فإنها ساقطة وسقوطها يصيرها صفة لما قبلها، ولأن السلام فيه معرّف وفي غيره منكر، والمعرّف أعمّ.
ومنهم ابن عباس عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدًا رسول الله". واختاره الإمام الشافعي، رحمه الله، لزيادة لفظ: المباركات فيه. وهي موافقة
لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١].
وأجيب: بأن الزيادة مختلف فيها، وحديث ابن مسعود متفق عليه.
ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". واختاره ابن مالك. لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدلّ على تفضيله وتعقب بأنه موقوف، فلا يلحق بالمرفوع.
وأجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعًا.
ومنهم ابن عمر، عند أبي داود والطبراني في الكبير.
ومنهم عائشة عند البيهقي.
ومنهم جابر بن عبد الله عند النسائي، وابن ماجة، والترمذي في العلل، ولفظه كان