قرب دجاجة) بتثليث الدال والفتح هو الفصيح (ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة).
استشكل التعبير: بالدجاجة والبيضة بقوله، في رواية الزهري: كالذي يهدي، لأن الهدي لا يكون منهما.
وأجيب: بأنه من باب المشاكلة، أي من تسمية الشيء، باسم قرينه، والمراد بالهدي هنا التصدق، كما دلّ عليه لفظ: قرب وهو يجوز بهما.
والمراد بالساعات عند الجمهور من أوّل النهار، وهو قول الشافعي رحمه الله، وابن حبيب من المالكية، وليس المراد من الساعات الفلكية الأربعة والعشرين التي قسم عليها الليل والنهار، بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، لئلا يستوي فيه رجلان جاءا في طرفي ساعة، ولأنه لو أريد ذلك لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف.
وقال في شرح المهذّب، وشرح مسلم: بل المراد الفلكية، لكن بدنة الأوّل أكمل من بدنة الأخير، وبدنة المتوسط متوسطة، فمراتبهم متفاوتة، وإن اشتركوا في البدنة مثلاً، كما في درجات صلاة الجماعة الكثيرة والقليلة، وحينئذٍ فمراده بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة زمانية صيفًا أو شتاءً.
وقد روى النسائي مرفوعًا: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة. وقال الماوردي: إنه من طلوع الشمس موافقة لأهل الميقات، ليكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب.
واستشكل بأن الساعات ست لا خمس، والجمعة لا تصح في السادسة بل في السابعة.
نعم، عند النسائي بإسناد صحيح بعد الكبش: بطة، ثم دجاجة ثم بيضة. وفي أخرى: دجاجة ثم عصفورًا، ثم بيضة.
ومعلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وهو بعد انقضاء الساعة السادسة.
وفي حديث واثلة عند الطبراني في الكبير مرفوعًا: "إن الله تعالى يبعث الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون القوم: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، فإذا بلغوا السابع كانوا بمنزلة من قرب العصافير".
وقال مالك، رحمه الله، وإمام الحرمين، والقاضي حسين: إنها لحظات لطيفة بعد الزوال، لأن الرواح لغة لا يكون إلا من الزوال، والساعة في اللغة الجزء من الزمان، وحملها على الزمانية التي
يقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءًا يبعد إحالة الشرع عليه لاحتياجه إلى حساب ومراجعة آلات تدل عليه، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول، فالمتهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، الحديث.
فإن قالوا: قد تستعمل الهاجرة في غير موضعها فيجب الحمل عليه جمعًا.
قلنا: ليس إخراجها عن ظاهرها بأولى من إخراج الساعة الأولى عن ظاهرها، فإذا تساويا على ما زعمت فما أرجح؟
قلت: عمل الناس جيلاً بعد جيل، لم يعرف أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم كان يأتي المسجد لصلاة الجمعة عند طلوع الشمس، ولا يمكن حمل حالهم على ترك هذه الفضيلة العظيمة. اهـ.
وأجيب: بأن الرواح، كما قاله الأزهري، يطلق لغة على الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره أو الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث، والمعنى: فدلّ على أنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال، لأن التخلّف بعد النداء حرام، ولأن ذكر الساعات إنما هو للحثّ على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل الصف الأول، وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال. وحكى الصيدلاني: أنه من ارتفاع النهار وهو وقت الهجير.
(فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة) الذين وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة، وما تشتمل عليه من ذكر وغيره، وهم غير الحفظة (يستمعون الذكر) أي الخطبة.
وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم. ولمسلم من طريقه: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر. فكان ابتداؤه خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر.
وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الحلية مرفوعًا "إذا كان يوم اجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور"، الحديث. ففيه صفة الصحف، وأن الملائكة المذكورين غير الحفظة.
والمراد بطيّ الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون