لنفسه طيبًا فليستعمل من طيب امرأته، وزاد فيه: "ويلبس من صالح ثيابة"، ولابن عساكر: ويمسّ من طيب بيته (ثم يخرج) زاد ابن خزيمة، عن أبي أيوب: إلى المسجد، ولأحمد من حديث أبي الدرداء: ثم يمشي وعليه السكينة (فلا يفرق بين اثنين) في حديث ابن عمر عند أبي داود، ثم لم يتخطّ رقاب الناس، وهو كناية عن التبكير، أي: عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس، أو المعنى، لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما، لأنه ربما ضيق عليهما، خصوصًا في شدة الحرّ واجتماع الأنفاس، (ثم يصلّي
ما كتب له) أي فرض من صلاة الجمعة، أو قدر فرضًا أو نفلاً. وفي حديث أبي الدرداء: "ثم يرجع ما قضى له، وفي حديث أبي أيوب: "فيركع إن بدا له". وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة.
(ثم ينصت) بضم أوله من: أنصت، وفتحه من: نصت، أي سكت (إذا تكلم الإمام) أي: شرع في الخطبة، زاد في رواية قرثع، بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة، الضبي، بالمعجمة والموحدة، عند ابن خزيمة: حتى يقضي صلاته (إلا غفر له ما بينه) أي ما بين الجمعة الحاضرة (وبين الجمعة الأخرى) الماضية. أو المستقبلة. لأنها تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها والمغفرة تكون للمستقبل كما للماضي قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢].
لكن في رواية الليث، عن ابن عجلان، عند ابن خزيمة ما بينه وبين الجمعة التي قبلها.
وزاد في رواية أبي هريرة عند ابن حبان، وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها.
والمراد: غفران الصغائر لما زاده في حديث أبي هريرة عند ابن ماجة: ما لم تغش الكبائر، أي فإنها إذا غشيت لا تكفر، وليس المراد أن تكفير الصغائر مشروط باجتناب الكبائر، إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفر الصغائر، كما نطق به القرآن العزيز في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١] أي: كل ذنب فيه وعيد شديد {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] أي نمح عنكم صغائركم.
ولا يلزم من ذلك أن لا يكفر الصغائر إلا اجتناب الكبائر، فإذا لم يكن له صغائر تكفر، رجي له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر، وإلا أعطي من الثواب بمقدار ذلك.
وقد تبين بمجموع ما ذكر: من الغسل والتطيب إلى آخره أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميعها.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين، إن لم يكن ابن وديعة صحابيًّا، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة.
٨٨٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ: "قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي". [الحديث ٨٨٤ - طرفه في: ٨٨٥].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال طاوس) هو: ابن كيسان الحميري الفارسي اليماني، قيل: اسمه ذكوان.
وطاوس لقبه: (قلت لابن عباس) رضي الله عنهما (ذكروا) يحتمل أن يكون المبهم في: أبا هريرة
لرواية ابني خزيمة وحبان والطحاوي، من طريق عمرو بن دينار عن طاوس، عن أبي هريرة، نحوه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(اغتسلوا يوم الجمعة) إن كنتم جنبًا (واغسلوا رؤوسكم) تأكيد: لاغتسلوا، من عطف الخاص على العامّ، لينبّه على أن المطلوب الغسل التام، لئلا يتوهم أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلاً تجزئ في غسل الجمعة، أو المراد بالثاني: التنظيف من الأذى. واستعمال الدهن ونحوه. (وإن لم تكونوا جنبًا) فاغتسلوا للجمعة، ولفظ الجنب يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] (وأصيبوا من الطيب) من للتبعيض قائم مقام المفعول، أي: استعملوا بعض الطيب.
وليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم له، ويحتمل أن المؤلّف أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد، وقد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة: الدهن، ولم يذكره الزهري، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة.
(قال ابن عباس) مجيبًا لطاوس عن قوله: ذكروا ... إلخ (أما الغسل المذكورة فنعم) قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأما الطيب فلا أدري) أي: فلا أعلم. قاله عليه الصلاة والسلام أم لا، لكن رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، عن عبيد بن السباق عند ابن ماجة مرفوعًا: "من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليمس منه". تخالف ذلك، لكن صالح ضعيف، وقد خالفه مالك، فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق، مرسلاً.
٨٨٥ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ".
وبه قال: (حدّثنا