والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم.
وادعى المزني نسخها، لتركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها يوم الخندق.
وأجيب: بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست، والخندق كان سنة أربع أو خمس.
({فلتقم طائفة منهم معك}) فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون، وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو ({وليأخذوا أسلحتهم}) أي: المصلون، حزمًا. وقيل: الضمير للطائفة الأخرى، وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم ({فإذا سجدوا}) يعني: المصلين ({فليكونوا}) أي: غير المصلين ({من ورائكم}) يحرسونكم، يعني: النبي ومن يصلّي معه، فغلب المخاطب على الغائب، ({ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا}) لاشتغالهم بالحراسة ({فليصلوا معك}) ظاهره أن الإمام يصلّي مرتين، بكل طائفة مرة كما فعله عليه الصلاة والسلام ببطن نخل ({وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم})
جعل الحذر، وهو التحرز والتيقظ، آلة يستعملها المغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ({ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة}) بالقتال فلا تغفلوا ({ولا جناح}): لا وزر ({عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم}) رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض، وهذا يؤيد أن الأمر للوجوب دون الاستحباب ({خذوا حذركم}) أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو ({إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}) [النساء: ١٠١ - ١٠٢] وعد للمؤمنين بالنصر، وإشارة إلى أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ.
وقد ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى آخر قوله: ({مهينًا}) كما ترى في رواية كريمة، ولفظ رواية أبي ذر ({فلتقم طائفة منهم معك}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}) وله أيضًا، ولابن عساكر، وأبي الوقت: ({وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}) ولابن عساكر: ({إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}) وزاد الأصيلي: ({أن تقصروا من الصلاة}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}).
٩٤٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". [الحديث ٩٤٢ - أطرافه في: ٩٤٣، ٤١٣٢، ٤١٣٣، ٤٥٣٥].
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال): شعيب: (سألته) أي: الزهري. كذا بإثبات: قال، ملحقة بين الأسطر في فرع اليونينية، وكذا رأيته فيها ملحقًا بين سطورها، مصححًا عليه.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: ووقع بخط بعض من نسخ الحديث، عن الزهري، قال: سألته. فأثبت: قال، ظنًّا منه أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل. ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال، والمتجه حذفها. وتكون الجملة حالية، أي: أخبرني الزهري حال سؤالي إياه (هل صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ يعني صلاة الخوف -قال) أي: الزهري ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر فقال:
(أخبرني سالم) هو: ابن عبد الله بن عمر (أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب، (رضي الله عنهما، قال: غزوت مع رسول الله) ولأبي ذر: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة (نجد) بأرض غطفان، وهو كل ما ارتفع من بلاد العرب، من تهامة إلى العراق، وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صلّيت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع، وقول الغزالي، رحمه الله في الوسيط، وتبعه الرافعي: إنها آخر الغزوات، ليس بصحيح، وقد أنكر عليه ابن الصلاح في: مشكل الوسيط. (فوازينا العدو) بالزاي، أي: قابلناهم (فصاففنا لهم) باللام، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فصاففناهم، (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي لنا) أي: لأجلنا، أو: بنا، بالموحدة (فقامت طائفة معه) زاد في غير رواية أبي ذر: تصلي، أي: إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو (وأقبلت طائفة على العدو، وركع) بالواو، ولأبي ذر عن المستملي، فركع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن معه، وسجد سجدتين) ثم ثبت قائمًا (ثم انصرفوا) بالنيّة، وهم في حكم الصلاة عند قيامه، عليه الصلاة والسلام، إلى الثانية