الأخيرة جاز للاتباع، رواه مسلم: لا أن تشهد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما، لأنه خلاف المنقول بخلاف النفل المطلق، لأنه لا حصر لركعاته وتشهداته. لكن الفصل، ولو بواحدة، أفضل من الوصل، لأنه أكثر أخبارًا وعملاً، ثم الوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين، فرقًا بينه وبين المغرب.
وروى الدارقطني بإسناد رواته ثقات حديث: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب". وثلاثة موصولة أفضل من ركعة لزيادة العبادة، بل قال القاضي أبو الطيب: إن الإيتار بركعة مكروه. اهـ.
واستدلّ به المالكية على تعيين الشفع قبل الوتر، لأن المقصود من الوتر أن تكون الصلاة كلها وترًا لقوله عليه الصلاة والسلام صلّى ركعة توتر له ما قد صلّى.
وأجيب: بأن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، لحديث أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن أبي أيوب مرفوعًا: الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة.
٩٩١ - حدثنا وَعَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ".
(وعن نافع) بالإسناد السابق، كما قاله الحافظ ابن حجر، وقال العيني: إنما هو معلق، ولو كان مسندًا لم يفرقه، (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته) ظاهره أنه كان يصلّي الوتر موصولاً، فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى.
وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: صلّى ابن عمر ركعتين، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة.
وهذا الحديث الأول أخرجه أبو داود، والنسائي.
٩٩٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ -وَهْيَ خَالَتُهُ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ -وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام، ولأبي ذر، والأصيلي: عن مالك بن أنس (عن مخرمة بن سليمان) بإسكان الخاء المعجمة وفتح غيرها، الأسدي الوالبي (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء، ابن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم المدني، أبي رشدين، مولى ابن عباس (أن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أخبره أنه بات عند) أم المؤمنين (ميمونة -وهي خالته) أخت أمه لبابة.
وزاد شريك بن أبي نمر، عن كريب، عند مسلم، قال: فرقبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف يصلّي.
وزاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه: بالليل، (فاضطجعت في عرض وسادة) بفتح العين، وقد تضم، وفي رواية محمد بن الوليد عند محمد بن نصر في كتاب: قيام الليل: وسادة من أدم حشوها ليف، (واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله في طولها).
قال ابن عبد البر: كان، والله أعلم، ابن عباس مضطجعًا عند رجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو عند
رأسه.
(فنام) عليه الصلاة والسلام (حتى انتصف الليل أو) صار (قريبًا منه) أي: من الانتصاف (فاستيقظ) عليه الصلاة والسلام (يمسح النوم عن وجهه) أي: يمسح أثر النوم عن وجهه (ثم قرأ عشر آيات من) سورة (آل عمران) أي من: {إن في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: ١٩٠] إلى آخرها.
واستشكل قوله: حتى انتصف الليل أو قريبًا منه، بجزم شريك في روايته عند مسلم، كالبخاري في تفسير سورة آل عمران: بثلث الليل الأخير.
وأجيب: بأن استيقاظه عليه الصلاة والسلام وقع مرتين، ففي الأولى تلا الآيات، ثم عاد لمضجعه فنام، وفي الثانية أعاد ذلك.
(ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شن معلقة) أنث على تأويله بالقربة، وزاد محمد بن الوليد: ثم استفرغ من الشن في إناء (فتوضأ) منها للتجديد لا للنوم لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه (فأحسن الوضوء) أتمه بأن أتى بمندوباته، ولا ينافي التخفيف، (ثم قام يصلّي).
قال ابن عباس: (فصنعت مثله) في الوضوء ومسح النوم عن وجهه، وقراءة الآيات، وغير ذلك، أو هو محمول على الأغلب، (فقمت)، بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وقمت (إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني يفتلها) بكسر المثناة الفوقية، أي: يدلكها لينتبه، أو لإِظهار محبته (ثم صلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) ست مرات باثنتي عشرة ركعة (ثم أوتر) بركعة.
يقتضي أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين. وصرح بذلك في رواية طلحة بن نافع، حيث قال