والصدق (والعفاف) بفتح العين أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والصلة) للأرحام وهي كل ذي رحم لا تحلّ مناكحته أو فرضت الأنوثة مع الذكورة، أو كل ذي قرابة. والصحيح عمومه في كل ما أمر الله به أن يوصل كالصدقة والبر والإنعام. قال في التوضيح: من تأمل ما استقرأه هرقل من هذه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره واستبرأه من حاله والله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخليد ملكه والأتباع (فقال) هرقل (للترجمان قل له) أي لأبي سفيان: (سألتك عن) رتبة (نسبه) فيكم أهو شريف أم لا (فذكرت أنه فيكم ذو) أي صاحب (نسب) شريف عظيم (فكذلك) بالفاء وللأربعة وكذلك (الرسل تبعث في) أشرف (نسب قومها) جزم به هرقل لما تقرر عنده في الكتب السالفة.
(وسألتك: هل قال أحد) ولأبي ذر كما في الفرع كأصله وسألتك قال أحد (منكم هذا القول) زاد في نسخة قبله. (فذكرت أن لا فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً (لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله) يأتسي بهمزة ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وسين مهملة مكسورة أي يقتدي ويتبع. ولأبي ذر عن الكشميهني يتأسى بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة المفتوحة، وفتح السين المشدّدة. (وسألتك هل كان من آبائه من ملك) وللكشميهني من ملك بفتح الميمين (فذكرت أن لا قلت) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني فقلت (فلو) ولأبي الوقت لو (كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه).
فإن قلت لم قال أبيه بالإفراد؟ أجيب: ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه. نعم في سورة آل عمران آبائه بالجمع.
فإن قلت لم قال هرقل فقلت في هذين الموضعين وهما: هل قال هذا القول أحد منكم، وهل كان من آبائه من ملك؟ أجيب: بأن هذين المقامين مقاما فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل.
قال هرقل لأبي سفيان:(وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أئه لم يكن ليذر) اللام فيه لام الجحود لملازمتها النفي وفائدتها تأكيد النفي نحو: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٨] أي لم يكن ليدع (الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته.
(ويكذب) بالنصب (على الله) بعد إظهارها. (وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا لأنهم أهل الاستكانة بخلاف أهل الاستكبار المصرّين على الشقاق بغيًا وحسدًا كأبي جهل، ويؤيد استشهاده على ذلك قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُون﴾ [الشعراء: ١١١] المفسر بأنهم الضعفاء على الصحيح. قال هرقل لأبي سفيان (وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة (حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزل في آخر سنيه ﷺ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]. (وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين) بالنون، وفي بعض النسخ حتى بالمثناة الفوقية، وفي آل عمران، وكذلك الإيمان إذا خالط قال في الفتح وهو يرجح أن رواية حتى وهم، والصواب وهو رواية الأكثر حين (تخالط) بالمثناة الفوقية (بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والشينين المعجمتين وضم التاء وإضافته إلى ضمير الإيمان. والقلوب نصب على المفعولية. أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي تدخل فيها، وللحموي والمستملي يخالط بالمثناة التحتيه بشاشة بالنصب على المفعولية والقلوب بالجر على الإضافة، والمراد ببشاشة القلوب انشراح الصدر والفرح والسرور بالإيمان. (وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة. (وسألتك بما يأمركم) بإثبات الألف مع