وللكشميهني: والعصر بذي الحليفة. أي: وصليت صلاة العصر بذي الحليفة (ركعتين) قصرًا لا يقال: إنه يدل على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، لأن ذا الحليفة لم تكن غاية سفره، وإنما خرج قاصدًا مكة، فنزل بها، فحضرت العصر فصلاها بها.
١٠٩٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَان، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ" قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت):
(الصلاة) بالإفراد (أول ما فرضت ركعتان) أي: لمن أراد الاقتصار عليهما.
والصلاة مبتدأ، وأول، بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية. والصلاة: مبتدأ والخبر محذوف.
أي: فرضت ركعتين في أول فرضها، وأصل الكلام: الصلاة فرضت ركعتين في أول أزمنة فرضها، فهو ظرف للخبر المقدر، وما: مصدرية، والمضاف محذوف كما تقرر. ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ركعتين بالياء نصب على الحال السادّ مسدّ الخبر، وللكشميهني، كما في الفرع، ولم يعرفها صاحب المصابيح: الصلوات بالجمع، واستشكلها من حيث اقتصار عائشة رضي الله عنها معها على قولها: ركعتين لوجوب التكرير في مثله، وقد وجدت في رواية كريمة وهي من رواية الكشميهني: ركعتين ركعتين بالتكرير، وحينئذ فزال الإشكال ولله الحمد.
(فأقرت صلاة السفر) قال النووي: أي على جواز الإتمام (وأتمت صلاة الحضر) على سبيل التحتم.
وقد استدلّ بظاهره الحنفية على عدم جواز الإتمام في السفر، على أن القصر عزيمة لا رخصة، ورد بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١]. لأنه يدل على أن الأصل الإتمام، لأن القصر إنما يكون عن تمام سابق، ونفي الجناح يدل على جوازه دون وجوبه.
فإن قلت: فما الجواب عن تقييد الآية بالخوف؟
أجيب: بأنها، وإن دلت بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز القصر في غير حالة الخوف، لكن من شرط مفهوم المخالفة إن لم يخرج مخرج الأغلب، فلا اعتبار بذلك الشرط كما في الآية؛ فإن الغالب من أحوال المسافرين الخوف. اهـ.
وقال البيضاوي: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضًا في حالة الأمن، أي: في السفر، ولا حاجة في القصر إلى تأويل الآية، كما أوله الحنفية نصرة لمذهبهم بأنهم ألفوا الأربع، فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في القصر، فسمي الإتيان بها قصرًا على ظنهم، ونفي الجناح فيه لتطيب أنفسهم بالقصر، قاله البيضاوي. ورأيته في بعض شروح الهداية.
ويؤيد القول بالرخصة حديث: "صدقة تصدق الله بها عليكم"، لأن الواجب لا يسمى رخصة، وقول عائشة المروي عند البيهقي بإسناد صحيح: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصممت، قال: "أحسنت يا عائشة". وحديث الباب من قولها غير مرفوع، فلا يستدل به، كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة.
وتعقب بأنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي، وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك.
وأجاب في الفتح: بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة، عقب الهجرة إلاّ الصبح، كما روي من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ورواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١]. وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.
(قال) ابن شهاب (الزهري فقلت لعروة) بن الزبير (ما) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فما (بال عائشة) رضي الله عنها (تتم) بضم أوله الصلاة (قال: