﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ [الكهف: ٥٤].
قيل: قاله تسليمًا لعذره، وإنه لا عتب عليه، قال ابن بطال: ليس للإمام أن يشدد في النوافل، فإنه ﷺ؛ قنع بقوله: أنفسنا بيد الله، فهو عذر في النافلة لا في الفريضة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني وإسناد زين العابدين من أصح الأسانيد وأشرفها الواردة فيمن روى عن أبيه عن جده، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الاعتصام والتوحيد، ومسلم في: الصلاة، وكذا النسائي.
١١٢٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا".
[الحديث ١١٢٨ - طرفه في: ١١٧٧].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، ﵂ قالت):
(إن كان رسول الله ﷺ) بكسر همزة إن مخففة من الثقيلة، وأصله: إنه كان فحذف ضمير الشأن وخفف النون، (ليدع العمل) بفتح لام: ليدع، التي للتأكيد، أي: ليترك العمل (وهو يحب أن يعمل به خشية) أي: لأجل خشية (أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم) بنصب فيفرض عطفًا على أن يعمل.
وليس مراد عائشة أنه كان يترك العمل أصلاً، وقد فرضه الله عليه أو ندبه، بل المراد ترك أمرهم أن يعملوه معه، بدليل ما في الحديث الآتي: أنهم لما اجتمعوا إليه في الليلة الثالثة، أو الرابعة، ليصلوا معه التهجد لم يخرج إليهم، ولا ريب أنه صلّى حزبه تلك الليلة.
(وما سبح) وما تنفل (رسول الله ﷺ سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها) أي: لأصليها. وللكشميهني والأصيلي: وإني لأستحبها من الاستحباب.
وذكر هذه الرواية العيني، ولم يعزها، والبرماوي والدماميني عن الموطأ، وهذا من عائشة إخبار بما رأت.
وقد ثبت: أنه ﷺ صلاها يوم الفتح، وأوصى بها أبوي ذر، وهريرة، بل عدها العلماء من الواجبات الخاصة به.
ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة من قول عائشة: "إن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به". لأن كل شيء أحبه استلزم التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض.
١١٢٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ﵂ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة أم المؤمنين، ﵂):
(أن رسول الله ﷺ، صلّى) صلاة الليل (ذات ليلة) أي: في ليلة من ليالي رمضان (في المسجد، فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من) الليلة (القابلة) أي: الثانية. وللمستملي: ثم صلّى من القابل، أي: من الوقت القابل (فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ).
زاد أحمد في رواية ابن جريج: حتى سمعت ناسًا منهم يقولون الصلاة. والشك ثابت في رواية مالك.
ولمسلم من رواية يونس، عن ابن شهاب، فخرج رسول الله ﷺ، في الليلة الثانية فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله.
ولأحمد من رواية سفيان بن حسين عنه: فلما كانت الليلة الرابعة غص المسجد بأهله، (فلما أصبح) ﵊ (قال):
(قد رأيت الذي صنعتم) أي: من حرصكم على صلاة التراويح.
وفي رواية عقيل: فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: "أما بعد؛ فإنه لم يخف عليّ مكانكم".
(ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم).
زاد في رواية يونس: صلاة الليل فتعجزوا عنها، أي: يشق عليكم فتتركوها مع القدرة. وليس المراد العجز الكلي، فإنه يسقط التكليف من أصله.
قالت عائشة: (وذلك) أي: ما ذكر كان (في رمضان).
واستشكل قوله: إني خشيت أن تفرض عليكم، مع قوله في حديث الإسراء هن خمس، وهن خمسون لا يبدل القول لديّ. فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة.
وأجاب في فتح الباري باحتمال: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل، بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: "حتى