بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أخبره أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال له) أي: لابن عمرو:
(أحب الصلاة) أي: أكثر ما يكون محبوبًا (إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام) أي: أحب، بمعنى محبوبًا (إلى الله، صيام) وفي رواية: وأحب الصوم إلى الله صوم (داود).
واستعمال: أحب، بمعنى: محبوب قليل، لأن الأكثر في أفعل التفضيل أن يكون بمعنى الفاعل، ونسبة المحبة فيهما إلى الله تعالى على معنى إرادة الخير لفاعلهما.
(وكان) داود، عليه الصلاة والسلام، (ينام نصف الليل ويقوم ثلثه) في الوقت الذي ينادي فيه الرب تعالى: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ (وينام سدسه) ليستريح من نصب القيام في بقية الليل.
وإنما كان هذا أحب إلى الله تعالى، لأنه أخذ بالرفق على النفوس التي يخشى منها السآمة التي هي سبب إلى ترك العبادة، والله تعالى يحب أن يوالي فضله، ويديم إحسانه، قاله الكرماني.
وإنما كان ذلك أرفق، لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويذهب ضرر السهر، وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء، لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه، أشار إليه ابن دقيق العيد.
(ويصوم يومًا ويفطر يومًا) وقال ابن المنير: كان داود عليه الصلاة والسلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له ذلك في كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض، جعل عوضًا من ذلك أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيتنزل ذلك منزلة التجزئة في شخص اليوم.
ورواة هذا الحديث مكيُّون إلاّ شيخ المؤلّف فمدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار، وأخرجه أيضًا في: أحاديث الأنبياء. ومسلم في: الصوم، وكذا أبو داود وابن ماجة والنسائي فيه، وفي الصلاة أيضًا.
١١٣٢ - حَدَّثَنِي عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: "إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى". [الحديث ١١٣٢ - طرفاه في: ٦٤٦١، ٦٤٦٢].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، والوقت، والأصيلي: حدّثنا (عبدان) هو: لقب عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة، بفتح الجيم والموحدة الأزدي العتكي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة آخره مثلثة (قال: سمعت أبي) أبا الشعثاء، سليم بن أسود المحاربي (قال: سمعت مسروقًا) هو: ابن الأجدع (قال):
(سألت عائشة رضي الله عنها: أي العمل كان أحب إلى النبي) ولأبي ذر، والأصيلي: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) هو (الدائم) الذي يستمر عليه عامله، والمراد بالدوام العرفي لا شمول الأزمنة، لأنه متعذر.
قال مسروق: (قلت) لعائشة (متى كان يقوم) عليه الصلاة والسلام؟.
(قالت: يقوم) فيصلّي، ولأبي ذر، قالت: كان يقوم (إذا سمع الصارخ) وهو الديك لأنه يكثر الصياح في الليل.
قال ابن ناصر: وأول ما يصيح نصف الليل غالبًا، وهذا موافق لقول ابن عباس: نصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل.
وقال ابن بطال: يصرخ عند ثلث الليل.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة". وإسناده جيد. وفي لفظ: فإنه يدعو إلى الصلاة.
وليس المراد أن يقول بصراخه حقيقة الصلاة، بل العادة جرت أنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال، فطرة فطره الله عليها، فيذكر الناس بصراخه الصلاة.
وفي معجم الطبراني، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "إن لله ديكًا أبيض، جناحاه مُوشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، رأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء، يؤذن في كل سحر، فيسمع تلك الصيحة أهل السماوات والأرضين إلا الثقلين: الجن والإنس، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض، فإذا دنا يوم القيامة قال الله تعالى: ضم جناحيك وغض صوتك، فيعلم أهل السماوات والأرض إلاّ الثقلين أن الساعة قد اقتربت".
وعند الطبراني، والبيهقي في الشعب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "إن لله ديكًا، رجلاه في التخوم، وعنقه تحت العرش مطوية، فإذا كان هنية من الليل صاح: