واصفرت ألوانهم، وظهرت السيما على وجوههم، حتى رحمهم ربهم، فخفف عنهم.
وحكى الشافعي، عن بعض أهل العلم: أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل إلا ما تيسر منه، بقوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ﴾ [المزمل: ٢٠] ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس.
(﴿وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾) أي اقرأه مرتلاً بتبيين الحروف وإشباع الحركات من غير إفراط، وقال أبو بكر بن طاهر: تدبر لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه (﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾) أي: القرآن لثقل العمل به، أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن، أو ثقيلاً في الميزان يوم القيامة، أخرجه عنه أيضًا من طريق أخرى (﴿إن ناشئة الليل﴾) مصدر: من نشأ إذا قام ونهض (﴿هي أشد وطأ﴾) بكسر الواو وفتح الطاء ممدودًا كما في قراءة أبي عمرو، وابن عامر، والباقون بفتح الواو وسكون الطاء من غير مد، أي: قيامًا (﴿وأقوم قيلاً﴾) أشد مقالاً وأثبت قراءة لهدو الأصوات، وقيل: أعجل إجابة للدعاء (﴿إن لك في النهار سبحًا طويلاً﴾) [المزمل: ٧٣] تصرفًا وتقلبًا في مهماتك وشواغلك. وعن السدي: تطوّعًا كثيرًا. وقال السمرقندي: فراغًا طويلاً تقضي حوائجك فيه، ففرغ نفسك لصلاة الليل.
(وقوله تعالى: ﴿علم أن لن تحصوه﴾) أي: علم الله أن لن تطيقوا قيام الليل، أو: الضمير المنصوب فيه يرجع إلى مصدر مقدر، أي: علم أن لا يصح منكم ضبط للأوقات، ولا يتأتى حسابها بالتسوية إلا بالاحتياط، وهو شاق عليكم (﴿فتاب عليكم﴾) رخص لكم في ترك القيام المقدر (﴿فاقرؤوا ما تيسر من القرآن﴾) فصلوا ما تيسر عليكم من قيام الليل، وهو ناسخ للأول، ثم نسخا جميعًا بالصلوات الخمس، أو المراد: قراءة القرآن بعينها، ثم بيَّن حكمة النسخ بقوله: (﴿علم أن سيكون منكم مرضى﴾) لا يقدرون على قيام الليل (﴿وآخرون يضربون﴾) يسافرون (﴿في الأرض يبتغون من فضل الله﴾) في طلب الرزق منه تعالى (﴿وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾) يجاهدون في طاعة الله (﴿فاقرؤوا ما تيسر منه﴾) أي: من القرآن، قيل: في صلاة المغرب والعشاء (﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾) الواجبتين أو المراد: صدقة الفطر، لأنه لم يكن بمكة زكاة، ومن فسرها بها جعل آخر السورة من المدني.
(﴿وأقرضوا الله قرضًا حسنًا﴾) بسائر الصدقات المستحبة، وسماه: قرضًا، تأكيدًا للجزاء (﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير﴾) عمل صالح وصدقة بنية خالصة (﴿تجدوه﴾) أي: ثوابه (﴿عند الله﴾) في الآخرة (﴿هو خيرًا﴾) نصب ثاني مفعولي: وجد (﴿وأعظم أجرًا﴾) زاد في نسخة: ﴿واستغفروا الله﴾ لذنوبكم ﴿إن الله غفور﴾ لمن تاب ﴿رحيم﴾ [المزمل: ٢٠] لمن استغفر.
(قال ابن عباس ﵄) مما وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير،
عنه، ولأبي ذر، والأصيلي: قال أبو عبد الله أي: المؤلّف: قال ابن عباس: (نشأ) بفتحات، مهموزًا معناه (قام) بتهجد (بالحبشية) أي: بلسان الحبشة.
وليس في القرآن شيء بغير العربية، وإن ورد من ذلك شيء فهو من توافق اللغتين، وعلى هذا، فناشئة، كما مر، مصدر بوزن فاعلة، من: نشأ إذا قام، أو اسم فاعل: أي: النفس الناشئة بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي: تنهض، وفي الغريبين لأبي عبيد: كل ما حدث بالليل وبدا فهو ناشئ.
وفي المجاز لأبي عبيدة: ناشية الليل: آناء الليل، ناشئة بعد ناشئة.
(وطأ) بكسر الواو (قال) المؤلّف، مما وصله عبد بن حميد، من طريق مجاهد، معناه: (مواطأة القرآن). ولأبي ذر، والوقت، مواطأة للقرآن، بالتنوين واللام (أشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه) ثم ذكر ما يؤيد هذا التفسير، فقال في قوله تعالى في سورة براءة ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ [التوبة: ٣٧] (ليواطؤوا) معناه: (ليوافقوا) وقد وصله الطبري عن ابن عباس، لكن بلفظ: ليشابهوا.
١١٤١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا ﵁ يَقُولُ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا. وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ".
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ.
[الحديث ١١٤١ - أطرافه في: ١٩٧٢، ١٩٧٣، ٣٥٦١].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو: ابن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك (﵁، يقول):
(كان رسول الله، ﷺ، يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه) أي: من الشهر، زاد الأصيلي، وأبو ذر: شيئًا (و) كان، ﵊