أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الأزرق بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الزاي، الحارثي البصري (قال):
(كنا بالأهواز) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالزاي، سبع كور بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم، ويجمعها: الأهواز. ولا ينفرد واحد منها بهوز، قاله صاحب العين، وغيره. (نقاتل الحرورية) بمهملات، أي: الخوارج لأنهم اجتمعوا بحروراء، قرية من قرى الكوفة وبها كان التحكيم، وكان الذي يقاتلهم إذ ذاك هو المهلب بن أبي صفرة. كما في رواية عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عند الإسماعيلي (فبينا أنا) مبتدأ خبره (على جرف نهر) بضم الجيم والراء بعدها فاء، وقد تسكن الراء. مكان أكله السيل، وللكشميهني: حرف نهر، بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الراء، أي: جانبه، واسم النهر: دجيل، بالجيم مصغرًا (إذا رجل) وللمستملي، والحموي، وعزاها العيني كابن حجر للكشميهني، بدل المستملي: إذ جاء رجل (يصلّي) العصر (وإذا لجام دابته) فرسه (بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها).
قد أجمعوا على أن المشي الكثير المتوالي في الصلاة المكتوبة يبطلها، فيحمل حديث أبي برزة على القليل، وفي رواية عمرو بن مرزوق ما يؤيد ذلك فإنه قال: فأخذها، ثم رجع القهقرى. فإن في رجوعه القهقرى ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها ما كان كثيرًا، فهو عمل يسير، ومشي قليل، ليس فيه استدبار القبلة؛ فلا يضر.
(قال شعبة) بن الحجاج (هو) أي: الرجل المصلي المتنازع (أبو برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) نزيل البصرة (فجعل رجل) مجهول (من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ) يدعو عليه ويسبه، وفي رواية حماد: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل فرس.
وزاد عمرو بن مرزوق في آخره قال: فقلت للرجل: ما أرى الله إلا مخزيك، شتمت رجلاً من
أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما انصرف الشيخ) أبو برزة من صلاته (قال إني سمعت قولكم) الذي قلتموه آنفًا، (وإني غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست غزوات، أو سبع غزوات، أو ثمان) بغير ياء ولا تنوين، وللحموي والمستملي: ثماني، بياء مفتوحة من غير تنوين.
وخرجه ابن مالك في شرح التسهيل على أن الأصل ثماني غزوات، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله وحسن الحذف دلالة المتقدم، أو أن الإضافة غير مقصودة، وترك تنوينه لمشابهة جواري لفظًا وهو ظاهر معنى لدلالته على جمع، أو يكون في اللفظ ثمانيًا بالنصب والتنوين، إلا أنه كتب على اللغة الربيعية، فإنهم يقفون على المنون المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف. اهـ.
وتعقب الأخير في المصابيح: بأن التخريج إنما هو لقوله؛ ثماني، بلا تنوين. وقد صرح هو بذلك في التوضيح، فلا وجه حينئذ للوجه الثالث، وللكشميهني: أو ثمانيًا.
وفي رواية عمرو بن مرزوق الجزم بسبع غزوات من غير شك.
(وشهدت تيسيره) أي: تسهيله على أمته في الصلاة وغيرها، وأشار به إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب، ولا يقطع صلاته، ولا يجوز أن يفعله أبو برزة من رأيه دون أن يشاهده من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإني) بكسر الهمزة وتشديد النون والياء اسمها (إن كنت) بكسر الهمزة، شرطية، والتاء اسم كان (أن أراجع) بضم الهمزة وفتح الراء ثم ألف، وللحموي، والمستملي، والأصيلي، وابن عساكر: أرجع، بفتح الهمزة وسكون الراء (مع دابتي) وأن بفتح الهمزة مصدرّية بتقدير لام العلة قبلها، أي: إن كنت لأن أراجع، وخبر كان (أحب إليَّ من أن أدعها) أي: أتركها (ترجع إلى مألفها) بفتح اللام الذي ألفته واعتادته.
وهذه الجملة الشرطية سدت مسد خبر إن في إني، وفي بعض الأصول بفتح همزة أن كنت، على المصدرية، ولام العلة محذوفة، والضمير المرفوع في: كنت، اسمها، وأن أرجع، بفتح الهمزة بتأويل مصدر مرفوع بالابتداء خبره: أحب إليَّ، والجملة اسمية خبر كان. وعلى هذا فخبر إن في إني، محذوف لدلالة الحال عليه، أي: وإني إن فعلت ما رأيتموه من اتباع الفرس لأجل كون رجوعها أحب إليّ من تركها. (فيشق عليّ) بنصب