وتكفينه ودفنه، ولا تجب الصلاة عليه، بل لا تجوز لعدم ظهور حياته، وإن سقط لدون أربعة أشهر، وُوري بخرقة ودفن فقط.
(فإن أبا هريرة رضي الله عنه) الفاء للتعليل (كان يحدّث قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما من مولود) من بني آدم (إلا يولد على الفطرة) الإسلامية، ومن زائدة و: مولود، مبتدأ، ويولد خبره، أي: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على الفطرة (فأبواه) الضمير للمولود، والفاء إما للتعقيب، أو للسببية، أو جزاء شرط مقدر، أي إذا تقرر ذلك، فمن تغير كان سبب تغيره أن أبويه (يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه) إما بتعليمهما إياه وترغيبهما فيه، أو كونه تبعًا لهما في الذين يكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم، وإلاّ مات كافرًا فإن مات قبل بلوغه الحلم
فالصحيح أنه من أهل الجنة، وقيل: لا عبرة بالإيمان الفطري في الدنيا، بل الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والعقل، فطفل اليهوديين مع وجود الإيمان الفطري محكوم بكفره في الدنيا تبعًا لأبويه (كما تتتج) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والأخرى مفتوحة، بينهما نون ساكنة ثم جيم، مبنيًّا للمفعول أي: تلد (البهيمة بهيمة) نصب على المفعولية (جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا، نعت لبهيمة، لم يذهب من بدنها شيء سميت بذلك لاجتماع أعضائها (هل تحسون) بضم أوّله وكسر ثانيه أي: هل تبصرون (فيها من جدعاء)؟ بجيم مفتوحة ودال مهملة ساكنة ممدودًا، أي: مقطوعة الأذن أو الأنف أو الأطراف. والجملة صفة أو حال. أي: بهيمة مقولاً فيها هذا القول، أي: كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها.
وكما، في قوله: كما تنتج، في موضع نصب على الحال من الضمير المنصوب في: يهوّدانه، أي: يهوّدان المولود بعد أن خلق على الفطرة، حال كونه شبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة لمصدر محذوف، أي: يغيرانه مثل تغييرهم البهيمة السليمة والأفعال الثلاثة تنازعت في: كما، على التقديرين.
(ثم يقول أبو هريرة، رضي الله عنه) مما أدرجه في الحديث، كما بينه مسلم في رواية حيث قال: ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم (-فطرة الله-) أي: خلقته، نصب على الإغراء، أو: المصدر لما دل عليه ما بعدها {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] أي: خلقهم عليها، وهي: قبول الحق وتمكنهم من إدراكه، أو: ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أداهم إليه، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية، كالتقليد. وقيل: العهد المأخوذ من آدم وذريته يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] وقد جزم في تفسير سورة الروم بأن الفطرة: الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف.
وهذا الحديث منقطع، لأن ابن شهاب لم يسمع من أبي هريرة، بل لم يدركه، ولم يذكره المصنف للاحتجاج، بل لاستنباطه منه ما سبق من الحكم.
وقد ساقه المؤلّف من طريق أخرى، عنه عن أبي سلمة، فقال بالسند السابق:
١٣٥٩ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}.
(حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا
يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما من مولود إلا يولد على الفطرة) ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين، لكن حكى ابن عبد البر، عن قوم أنه: لا يقتضي العموم، واحتجوا بحديث أبي بن كعب، قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرًا. وبما رواه سعيد بن منصور، يرفعه: إن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت كافرًا. ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت مؤمنًا قالوا: ففي هذا وفي غلام الخضر، ما يدل على أن الحديث ليس على عمومه. وأجيب: بأن حديث سعيد بن منصور فيه: ابن جدعان وهو ضعيف، ويكفي في الرد عليهم حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عند مسلم: ليس مولود يولد إلا على الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه، وأصرح منه رواية جعفر بن ربيعة بلفظ: كل بني آدم