للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأربعين (١) لهُ، وسيذكرُ المصنفُ [تعالى] (٢) حديثَ أبي هريرة هذا في باب اشتمال الخطبةِ على حمد الله من أبواب الجمعة.

[[معنى الحمد لله]]

والحمدُ في الأصْلِ مصدرٌ منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ حُذِفَ حذفًا قياسيًّا كما صرَّحَ بذلكَ الرَّضِيُّ ورجَّحَهُ، أو سماعِيًا كما ذهَبَ إليهِ غيرُهُ. وعُدِلَ بهِ إلى الرَّفْعِ للدلالةِ على الدَّوَامِ المسْتَفَادِ منَ الجملَةِ الإسميةِ ولو بمعونةِ المقامِ لا من مجرَّد العدُولِ؛ إذْ لا مدْخليةَ له في ذلكَ. وحُلِّي باللَّامِ ليُفيدَ الاختصاصَ الثبوتيَّ وهو مُسْتَلْزِمٌ للقصْرِ، فيكونُ الحمدُ مقصورًا عليهِ تعالى، إما باعتبارِ أن كلَّ حَمْدٍ لغيرهِ آيِلٌ إليهِ، أو مُنَزلٌ منزلةَ العَدم مبالغةً وادِّعاءً، أو لكونِ الحمدِ له هو الفردَ الكاملَ.

والحمدُ هو الوصْفُ بالجميلِ على الجميل الاختياريّ للتعظيم، وإطلاقُ الجميلِ الأوَّلِ لإِدخالِ وصفِهِ تعالى بصفاتِهِ الذاتيةِ، فإنهُ حمدٌ له، وتقييدُ الثاني بالاختيار لإِخراجِ المدْحِ فيكونُ على هذا أعمَّ مِنَ الحمدِ مطلقًا، وقيلَ: هما أخوانِ، وذِكْرُ قيدِ التعظيمِ لإِخراجِ ما يؤتى به مِنَ المشعِراتِ بالتعظيمِ على سبيلِ الاستهزاءِ والسخريةِ، ولكنَّه يستلزمُ اعتبارَ فِعْلِ الجَنانِ وفعلِ الأركانِ في الحمدِ لأن التعظيمَ لا يحصُلُ بدونهمَا. وأُجِيْبَ بأنهما فيهِ شرطَانِ لا جُزْآنِ ولا جُزْئِيَّانِ،، ومن هَهُنَا يلوحُ صِحَّةُ ما قالهُ الجمهورُ مِنْ أن الحمدَ أعمُّ من الشكْرِ مُتعلَّقًا وأخصُّ مورِدًا لا كما زعمَهُ البعضُ مِنْ أن الحمدَ أعمُّ مطلقًا لمساواتِهِ الشكْرَ في المورِدِ وزيادتِه عليهِ بكونه أعم متعلَّقًا.

ومما ينبغي أن يُعْلَمَ هَهُنَا أن الحمدَ يقتضي مُتعلِّقَينِ هما: المحمودُ به، والمحمودُ عليه، (فالأوّل): ما حَصَلَ بهِ الحمدُ، (والثاني): الحامِلُ عليهِ كحمدِكَ لزيدِ بالكرمِ في مقابَلَةِ الإِنعامِ. وقد يكونُ التَّغَايُر اعتبارِيًّا مع الاتحادِ ذاتًا كالحمدِ منكَ لِمنعمٍ لإنعامِهِ عليكَ في مقابَلةِ ذلكَ الإِنعامِ؛ فإن الإِنعامَ من حيثُ الصُّدورُ مِنَ المنعِم محمودٌ بهِ ومِنْ حيثُ الوصولُ إليكَ محمود عليهِ. وتقديمُ الحمدِ الذي هو المبتدَأ على (لله) الذي هو الخبرُ لا بُدّ لهُ مِنْ نُكْتَةٍ، وإنْ كان أصلُ المبتدأِ التقديمَ،


(١) عزاه إليه ابن ضويان في "منار السبيل" (١/ ٥).
(٢) زيادة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>