للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الداوديُّ: إن الكبيرَ المنفيَّ بمعنى أكبرَ، والمثبَتُ واحدُ الكبائرِ، أي ليسَ ذلكَ بأكبرِ الكبائرِ كالقتلِ مثلًا وإنْ كانَ كبيرًا في الجملة.

وقيل: المعنى: ليسَ بكبيرٍ في الصورةِ، لأن تعاطي ذلكَ يدلُّ على الدناءَةِ والحقارةِ وهوَ كبيرٌ في الذنْبِ.

وقيلَ ليسَ بكبيرٍ في اعتقادِهِما أو في اعتقادِ المخاطَبينَ، وهو عندَ اللَّهِ كبيرٌ.

وقيلَ إنه ليسَ بكبيرٍ في مشقَّةِ الاحترَازِ، أي كانَ لا يشقُّ عليهِمَا الاحترازُ مِنْ ذلكَ، وهذا الأخيرُ جَزَمَ بهِ البغويُّ (١) وغيرُهُ ورجَّحَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ (٢) وجماعةٌ.

وقيلَ: ليسَ بكبيرٍ بمجردِهِ وإنما صارَ كبيرًا بالمواظَبَةِ عليه، ويُرْشِدُ إلى ذلكَ السياقِ فإنهُ وصفَ كلًا مِنْهُمَا بما يدلُّ على تجدُّدِ ذلكَ منهُ، واستمرَارِهِ عليهِ للإِتيانِ بصيغةِ المضارَعَةِ بعدَ كانَ. ذَكَرَ معناهُ في الفَتْحِ (٣).

[[ما يدل عليه حديث ابن عباس]]

والحديثُ يدلُّ على نجاسَةِ البولِ مِنَ الإِنسانِ ووجُوب اجْتِنَابِهِ وهو إجماعٌ (٤)، ويدلُّ أيضًا على عِظَمِ أمرِهِ وأَمْرِ النميمةِ، وأَنهما مِنْ أعظمِ أسبابِ عذابِ القبرِ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٥): "وهوَ محمولٌ على النميمةِ المحرَّمَةِ، فإنَّ النميمةَ إذا اقتضَى تركُها مفسدةً تتعلَّقُ بالغيرِ، أو فِعلُها نصيحةً يَستضِرُّ الغيرُ بتركِهَا لم تكنْ ممنوعةً، كما نقولُ في الغيبةِ إذا كانتْ للنصيحةِ أو لدفعِ المفسدةِ لم تُمنَعْ (٦). ولو أن شخصًا اطَّلَعَ مِنْ آخَرَ على قولٍ يقتضي إِيقاعَ ضررٍ بإِنسانٍ فإذا نقلَ إليهِ ذلكَ القولَ احترزَ عنْ ذلكَ الضَّرَرِ لوجبَ ذِكْرُهُ له" انتهى.


(١) في "شرح السنة" (١/ ٣٧١).
(٢) في "إحكام الأحكام" (١/ ٦٢).
(٣) (١/ ٣١٨).
(٤) انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص ٣٦ رقم ٢٤).
(٥) في "إحكام الأحكام" (١/ ٦٣).
(٦) أورد محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في حاشيته على شرح عمدة الأحكام - أعانني الله على إتمام تحقيقه - (١/ ٢٧٢) بيتين اشتملا على ما يجوز فيه الغيبة:
الذمّ ليس بغيبة في ستة … مُتَظَلِّمٍ ومعرِّفٍ ومحذِّرِ
ولمُظهرٍ فسقًا ومُستفتٍ ومَنْ … طَلَبَ الإعانة في إزالة منكرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>