للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهي مِنْ أقبحِ القبائحِ. وتعقَّبهُ الكرماني (١) فقالَ: هذا لا يصلُحُ على قاعدةِ الفقهاءِ فإنَّهم يقولونَ: الكبيرةُ هي الموجبةُ الحدِّ ولا حدِّ على المشيِ بالنميمةِ، وتعقبَهُ الحافِظُ (٢) بأنهُ ليسَ قولَ جميعِهم لكن كلامَ الرافعيِّ يُشعِرُ بترجيحِهِ، حيثُ حَكَى في تعريفِ الكبيرةِ وجهينِ: (أحدُهما): هذا، (والثاني): ما فيهِ وعيدٌ شديدٌ، قالَ: وهُم إلى الأوَّلِ أميلُ، والثاني: أوفَقُ لما ذكروهُ عند تفصيلِ الكبائرِ" انتهى.

وللبحثِ في ذلكَ موضِعٌ غيرُ هذا الموضِع.

قوله: (ثم قالَ: بلى) أي وإنه لكبيرٌ، وقد صرَّح بذلكَ البخاريُّ في الأدب (٣) من طريقِ عُبيدةَ بنُ حميد عن منصورٍ عن الأعمشِ ولم يُخرجْهَا مسلمٌ. وهذهِ الزيادةُ تردُّ ما قالَهُ ابنُ بطالٍ مِنْ أنَّ الحديثَ يدلُّ على أن التعذيبَ لا يختصُّ بالكبائرِ بلْ قد يقعُ على الصغائر، وقد وردَ مثلُها مِنْ طريقِ أبي بكرةَ عندَ أحمدَ (٤) والطبراني (٥).

وقد اختُلِفَ في معنى هذهِ الزيادةِ بعدُ.

قوله: (وما يعذبانِ في كبيرٍ) فقالَ أبو عبدِ الملكِ: يُحتملُ أنه ظنَّ أَنَّ ذلكَ غيرُ كبيرٍ فأُوحِيَ إليهِ في الحالِ بأنهُ كبيرٌ فاستدْرَكَ، وتُعقِّبَ بأنه يستلزمُ أنْ يكونَ نسْخًا والنسْخُ لا يدخلُ الخبرَ، وأُجيبَ بأنَّ الخبرَ بالحكمِ يجوزُ نَسْخُهُ، وقيلَ: يُحتملُ أن الضميرَ في قولهِ وأنه يعودُ على العذابِ لما وردَ في صحيحِ ابن حِبَّانَ (٦) مِنْ حديثِ أبي هريرةَ: "يُعذَّبانِ عذابًا شديدًا في ذَنْبٍ هَيِّنٍ"، وقيلَ: الضميرُ يعودُ على أَحدِ الذنْبينِ وهوَ النميمةُ، لأنها مِنَ الكبائرِ بخلافِ كَشْفِ العورَةِ، وهذا معَ ضعفِهِ غيرُ مُستقيمٍ لأنَّ الاستتارَ المنفيَّ ليسَ المرادُ بهِ كَشْفُ العورةِ كما سلَفَ.


(١) ذكره الحافظ في "الفتح" (١/ ٣١٩).
(٢) في "الفتح" (١/ ٣١٩).
(٣) (١٠/ ٤٧٢ رقم ٦٠٥٥).
(٤) في المسند (٥/ ٣٥).
(٥) في "الأوسط" رقم (٣٧٤٧).
وأورده الهيثمي في "المجمع" (١/ ٢٠٧ - ٢٠٨) وقال: رجاله موثقون. قلت: وأخرجه ابن ماجه مختصرًا رقم (٣٤٩) بسند حسن.
(٦) في صحيحه (٣/ ١٠٦ رقم ٨٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>