للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويعدّ الاجتهادُ - وهو شرطٌ من شروط الإمامة في المذهب الزيدي - ميزةً استطاع الشوكانيُّ في ظله أن يصل إلى درجة الاجتهادِ المطلق، وبذلك تمكن من الانخلاع عن المذهبية، فانتقد المتعصبين في كل مذاهب المسلمين، وقام بالدعوة إلى التمسك بالإسلام جملة، وإلى عدم التعصب لأقوال العلماء أو الأئمة بل الالتزام بالكتاب والسنةِ، اللذَينِ أمرنا الله باتباعهما (١).

وكان اليمنيون قبل دخولِ المذهب الزيدي متمذهبين بالمذهبين المالكي والشافعي، وقد انقرض المذهبُ المالكي، وبقي المذهبُ الشافعي سائدًا في المناطق الوسطى والجنوبية والساحلية من اليمن، وكان الشوكانيُّ من الأعلام الذين دعَوا إلى اتباع السنةِ ومذهبِ السلفِ الصالح، بدون تعصُّبٍ لمذهب ما من مذاهب المسلمين، وإنما هو الاقتفاءُ للحق والدليلِ، فهما رائداه في كل ما يقرأ ويرجح من آراء.

وشهد الشوكانيُّ صراعَ الأئمة الزيديين ضد الطائفةِ الإسماعيليةِ (الباطنية - القِرمطية)، وأفتى بكفرها.

وأما المعتزلةُ فقد كان عام ٥٤٤ هـ أولَ عام دخل فيه تراثُهم إلى اليمن على يد القاضي (جعفرِ بن أحمدَ بن عبد السلام - ت ٥٧٣ هـ) شيخُ الزيدية والمعتزلة، وقضيةُ الاتفاقِ والاختلافِ بين الزيديةِ والمعتزلةِ مسألةٌ جدليةٌ، ويمكن تمثيلُها بمتصل في طرفه الأول طائفةٌ تمثل قمةَ الاتفاقِ وفي الطرف المقابلِ طائفةٌ أخرى تمثل قمةَ الاختلاف، وفي الوسط مواقفُ تتأرجح نحوَ هذا الطرف أو ذاك، وموقفُ الشوكانيِّ من علم الكلامِ موقفٌ له سِمَتهُ الخاصة، فهو ينصح طالبَه في كتابه: "أدب الطلب" (٢) بدراسة هذا العلمِ لكي يستطيع دراسةَ تفسير "الكشاف" للزمخشري، ودراسةَ تراثِ المعتزلة والأشاعرةِ والفِرَق الأخرى، ويتمكن بذلك من الخروج من دائرة التقوقعِ على علوم المذهبِ ومخاصمةِ أهلِ الكلام دونما علم بمقولاتهم ومصطلحاتِهم ومنطلقاتِهم، ولكنه يصف تجربتَه الشخصيةَ مع هذا العلمَ


(١) انظر: كتاب "القول المفيد في حكم التقليد" بتحقيقنا. الطبعة الثانية.
(٢) ص ١٢٨ - ١٣٠ بتحقيقنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>