للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (إن حقًّا عليه) هو بيان للجعل في قوله ليجعلن.

قوله: (أن لا ينصوف) أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه. وظاهر قوله في حديث ابن مسعود (١): (أكثر انصرافه عن يساره).

وقوله في حديث أنس (٢): (أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه) المنافاة لأن كل واحد منهما قد استعمل فيه صيغة أفعل التفضيل.

قال النووي (٣): ويجمع بينهما بأنه كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين.

قال الحافظ (٤): ويمكن أن يُجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود (٥) على حالة الصلاة في المسجد لأن حجرة النبي كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس (٢) على ما سوى ذلك كحال السفر.

ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح (٦) ابن مسعود لأنه أعلم وأَسن وأجلَّ وأكثر ملازمة للنبي ، وأقرب إلى مواقفه في الصلاة من أنس وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي كانت على جهة يساره كما تقدم.

قال: ثم ظهر لي أَنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر وهو أن من


(١) رقم (١٥٤/ ٨١٥) من كتابنا هذا.
(٢) رقم الحديث (١٥٥/ ٨١٦) من كتابنا هذا.
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٢٢٠).
(٤) في (الفتح) (٢/ ٣٣٨).
(٥) رقم الحديث (١٥٤/ ٨١٥) من كتابنا هذا.
(٦) في هذا الترجيح نظر، ولم يعتمد الشوكاني على المرجحات المعتبرة لدى العلماء، وانظر وجوه الترجيحات في كتاب: (الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) ص (٥٩) ص (٩٠) قال الشافعي في الأم (٢/ ٢٩٠): (فإذا قام المصلي من صلاته إمامًا أو غير إمام، فلينصرف حيث أراد، إن كان حيث يريد يمينًا، أو يسارًا، أو مواجه وجهه، أو من ورائه، انصرف كيف أراد، لا اختيار في ذلك أعلمه، لما روي: أن النبي كان ينصرف عن يمينه وعن يساره، وإن لم يكن له حاجة في ناحية، وكان يتوجه ما شاء أحببت له أن يكون توجهه عن يمينه، كما كان النبي يحب التيامن، غير مُضَيّق عليه في شيء من ذلك، ولا أن ينصرف حيث ليست له حاجة، أين كان انصرافه) اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>