للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الحديث أيضًا دليل على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، إذ لم ينكر على الصحابة ما فعلوه مع الأعرابي، بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة. وفيه أيضًا دليل على ما أشار إليه المصنف من أن الأرض تطهر بالمكاثرة، وعلى الرفق بالجاهل في التعليم، وعلى الترغيب في التيسير والتنفير عن التعسير، وعلى احترام المساجد وتنزيهها، لأن النبي قرَّرهم على الإنكار وإنما أمرهم بالرفق.

٩/ ٢٧ - (وَعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ الله إذْ جاءَ أعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ الله : مَهْ مَهْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله : "لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ"، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إنَّ رَسُولَ الله دَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ مِنْ هذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله ﷿ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ"، أوْ كما قَالَ رَسُولُ الله . قالَ: فأمَرَ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاء فَشنَّهُ عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (١)، لكِنْ لَيْسَ للبُخارِيِّ فِيهِ: "إن هذِهِ المَساجِدَ" إلى تَمامِ الأمْرِ بتِنْزِيهِهِا. وَقَوْلُهُ: "لا تُزْرمُوهُ" أيْ لا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ). [صحيح]

قوله: (أعرابي) هو الذي يسكن البادية، وقد سبق الخلاف في اسمه.

قوله: (مه مه) اسم فعل مبني على السكون معناه اكفف. قال صاحب المطالع (٢): هي كلمة زجر [قيل] (٣) أصلها ما هذا، ثم حذف تخفيفًا، وتقال مكررة ومفردة. ومثله بَهْ بَهْ بالباء الموحدة. وقال يعقوب: هي لتعظيم الأمر كبخ بخ (٤). وقد تنوَّن مع الكسر وينوَّن الأوّل ويكسر الثاني بغير تنوين، وكذا ذكره غير صاحب المطالع (٢).

قوله: (لا تُزْرِمُوهُ) بضم التاء الفوقية وإسكان الزاي بعدها راء أي لا تقطعوه.


(١) البخاري (١/ ٣٢٢ رقم ٢١٩)، و (١/ ٣٢٤ رقم ٢٢١)، و (١٠/ ٤٤٩ رقم ٦٠٢٥)؛ ومسلم (١/ ٢٣٦ رقم ١٠٠/ ٢٨٥)؛ وأحمد في المسند (٣/ ١٩١).
(٢) تقدم التعريف بكتاب المطالع وصاحبه في أول أبواب المياه من كتابنا هذا. ص ١٤٣.
(٣) زيادة من (جـ).
(٤) قال الزمخشري في "الأساس" (١/ ٣٣): بَخٍ لك: كلمةُ مَدْحٍ وإعجابٍ بالشيء وقد تُشَدَّدُ. قال: بخٍ لك. بخ لبحرٍ خضمٌ، وتكرر فيقال: بَخْ بَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>