ولكن هل يقاس على النبي ﷺ غيره من الصالحين فيُتبرّك به وبآثاره كما ذهب إليه الشوكاني - ومن قبله الحافظ ابن حجر -. الواقع أنَّه لا يوجد هناك أي دليل على جواز التبرَّك بغير النبي ﷺ، فلم يؤثر عن النبي ﷺ أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة ﵃ أو غيرهم، سواء بذواتهم، أو بآثارهم، أو أرشد إلى شيء من ذلك. وكذا لم يُنقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة ﵃ بغيره ﷺ، لا في حياته ﷺ ولا بعد مماته ﵊. ولهذا ذهب المحققون من علماء أهل السنة والجماعة إلى أن التبرك بذوات الصالحين وبآثارهم غير مشروع، بل هو من التبرك الممنوع. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: " … كذلك المبالغة في تعظيم الشيوخ وتنزيلهم منزلة الأنبياء هو المنهي عنه. وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين ﵃ يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: (أأنبياء نحن؟)، فدلّ على أن هذه المنزلة لا تنبغي إلَّا للأنبياء ﵈، وكذلك التبرك بالآثار فإنما كان يفعله الصحابة ﵃ مع النبي ﷺ، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم. فدلّ على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي ﷺ، مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه. وفي الجملة فهذه الأشياء فتنة للمعظَّم وللمعظِّم لما يخشى عليه من الغلوّ المدخل في البدعة، وربما يترقّى إلى نوع من الشرك. كل هذا إنما جاء من التشبه بأهل الكتاب والمشركين الذي نهيت عنه هذه الأمة". وبكل ما سبق يتبين أنّ ما رآه الشوكاني - ومن قبله الحافظ ابن حجر - من قياس الصالحين على الرسول ﷺ في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح، وأنَّ هذا النوع من التبرك ممنوع؛ لأنَّه يخالف إجماع السلف الصالح. انظر: "التبرك أنواعه وأحكامه" للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، (ص ٢٦١) و"الحكم الجديرة بالإذاعة" لابن رجب، بإشراف زهير الشاويش (ص ٥٤ - ٥٥) و"منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة" تأليف د. محمد إسحاق كندو. (٢/ ١٠٢٢ - ١٠٣٥) المبحث الخامس موقفه من التبرك. (١) للإمام الشوكاني رسالة بعنوان "رفع الأساس لفوائد حديث ابن عباس" رقمها (٨٢)، الجزء (٦)، الصفحة (٢٧٧٧ - ٢٧٩٩) وهي ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" بتحقيقي، فانظرها لزامًا. =