للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحقّ أن من حطّ رحله ببلد ونوى الإِقامة بها أيامًا من دون تردّد لا يقال له: مسافر، فيتمّ الصلاة ولا يقصر إلا لدليل، ولا دليل ههنا إلا ما في حديث الباب من إقامته بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة.

والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه عزم على إقامة أربعة أيام، إلا أن يقال: إن تمام أعمال الحجّ في مكة لا يكون في دون الأربع، فكان كلّ من يحجّ عازمًا على ذلك فيقتصر على هذا المقدار ويكون الظاهر، والأصل في حقّ من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام، وإلا لزم أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعدّدة ولا قائل به.

ولا يرد على هذا قوله في إقامته بمكة في الفتح: "إنا قوم سفر" كما سيأتي (١) لأنه كان إذ ذاك متردّدًا ولم يعزم على إقامة مدة معينة (٢).


(١) برقم (١١٦٧) من كتابنا هذا.
(٢) انظر المغني لابن قدامة (٣/ ١٥٠ - ١٥١).
• قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (١/ ٤٦٣): "ولم يحدَّ لأمتهِ مسافةً محدودة للقصر والفطر، بل أطلقَ لهم ذلك في مُطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيممَ في كل سفر، وأما ما يُروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثةِ، فلم يصحَّ عنه منها شيءٌ البتة. والله أعلم، اهـ.
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة، ولا في الشرع؛ فالمرجع فيه إلى العُرْف، فما كان سفرًا في عُرف الناس؛ فهو السفر الذي علق به الشارعُ الحكمَ" اهـ.
• وقال المحدث الألباني - رحمه الله تعالى - في "الصحيحة" (١/ ٣١٠ - ٣١١):
"وقد اختلف العلماء في المسافة التي تُقصَر فيها الصلاةَ اختلافًا كثيرًا جدًّا، على نحو عشرين قولًا، وما ذكرناه عن ابن تيمية، وابن القيم أقربُها إلى الصواب، وأليقُ بُيْسر الإسلام، فإنَّ تكليفَ الناس بالقصر في سَفَر محدودٍ بيومٍ، أو بثلاثة أيام، وغيرها من التحديدات يستلزمُ تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد يطرقونها، وهذا مما لا يستطيعه أكثر الناس، لا سيما إذا كانت مما لم تُطْرَق من قبل!.
• وقال المحدث الألباني في الصحيحة (١/ ٣٠٧ - ٣٠٨) معقبًا على حديث شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألتُ أنسًا على قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاث أميال، أو ثلاثة فراسخ، صلَّى ركعتين، (شعبة الشاكُّ) وهو حديث صحيح.
"يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخَ والفرسخ نحو ثماني كيلومترات" جاز له القصر. =

<<  <  ج: ص:  >  >>