للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على ما ابتدأ اللَّهُ خلقَهُ عليهِ، وفيه إشارة إلى قولهِ تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (١). والمعنى أَن كل أَحدٍ لو تُرِكَ في وقتِ ولادتِهِ وما يُؤديهِ إليه نظرهُ لأدَّاهُ إلى الدينِ الحقِّ وهو التوحيدُ. ويؤيدُه أَيضًا قولُه تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ (١)، وإليه يشيرُ في بقيةِ الحديثِ حيثُ عقَّبَهُ بقولهِ: "فأبواهُ يُهوِّدانِه ويُنصِّرانِه" (٢).

والحديث يدلُّ على مشروعيةِ السواكِ لأنه سببٌ لتطهير الفمِ وموجِبٌ لرضَا اللَّهِ على فاعِلِهِ، وقد أطلَقَ فيهِ السواكَ ولم يخصَّهُ بوقتٍ معيَّنٍ، ولا بحالةٍ مخصوصةٍ فأشعرَ بمطلقِ شرعيتِهِ، وهو من السنن المؤكدةِ، وليسَ بواجبٍ في حالٍ من الأحوالِ لما سيأتي في حديثِ أبي هريرة (٣): "لولا أَنْ أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواكِ" ونحوِه. قال النوويُّ (٤) "بإجماع مَنْ يُعتدُّ بهِ في الإجماعِ. وحكَى أبو حامدٍ الإِسفراينيُّ عن داودَ الظاهريِّ أنه أَوجبَهُ في الصلاةِ، وحكَى الماورديُّ عنه أنه واجبٌ لا تبطلُ الصلاةُ بتركِهِ، وحُكِيَ عن إسحاق بن رَاهَوَيْه أنه واجبٌ تبطلُ الصلاةُ بتركهِ عمدًا". قالَ النوويُّ (٥): "وقد أنكرَ أَصحابنا المتأخرونَ على الشيخِ أبي حامدٍ وغيرهِ نَقْلَ الوجوبِ عن داودَ وقالوا: مذهبُهُ أنه سنةٌ كالجماعةِ، ولو صحَّ إيجابُه عن داودَ لم يضرَّ مخالفته في انعقادِ الإِجماعِ على المختارِ الذي عليه المحققونَ والأكثرونَ. قالَ: وأما إسحاقُ فلم يصحَّ هذا المحكيُّ عنه" انتهى.

وعدمُ الاعتدادِ بخلافِ داودَ (٦) مع علمِهِ وورعِهِ وأخذِ جماعةِ من الأئمةِ


(١) سورة الروم: الآية ٣٠.
(٢) وهو حديث صحيح.
أخرجه البخاري رقم (١٣٥٩) و (١٣٨٥) و (٤٧٧٥) ومسلم رقم (٢٦٥٨) وأحمد (٢/ ٣٩٣) من طريقين عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
وللحديث طرق متعددة عن أبي هريرة انظر تخريجها في كتابنا "إعلام الأنام بعقيدة الإسلام".
(٣) برقم (٣/ ١٢٠) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.
(٤) في شرحه لصحيح مسلم (٣/ ١٤٢).
(٥) في شرحه لصحيح مسلم (٣/ ١٤٢).
(٦) هو الإمام داود بن علي بن خلف الأصبهاني الأصل، الكوفي المولد، البغدادي الدار، الشهير بداود الظاهري، ويكنى بأبي سليمان. =

<<  <  ج: ص:  >  >>