للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويؤيد حمل التفريق على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي (١) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "حتى [يتفرقا] (٢) من مكانهما".

وروايات حديث الباب بعضها بلفظ: التفرق، وبعضها بلفظ: الافتراق كما عرفت، فإذا كانت حقيقة كل واحد منهما مخالفة لحقيقة الآخر كما سلف فينبغي أن يحمل أحدهما على المجاز توسعًا.

وقد دل الدليل على إرادة حقيقة التفرق بالأبدان فيحمل ما دل على التفرق بالأقوال على معناه المجازي.

ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر (٣) المذكور: "ما لم يتفرقا وكانا جميعًا". وكذلك قوله: "وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع"، فإن فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن.

قال الخطابي (٤): وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة، وظاهر الكلام، فإذا قيل: تفرق الناس كان المفهوم منه التمييز بالأبدان.

قال (٥): ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه، وذلك أن العلم محيط بأن المشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار، وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع، وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه.

قال (٦): وثبت أن المتبايعين هما المتعاقدان، والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين، ولا يقع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منهم، كقوله: زان وسارق، وإذا كان كذلك فقد صح أن المتبايعين هما المتعاقدان وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان، انتهى.

فتقرّر أن المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان، وبهذا


(١) في السنن الكبرى (٥/ ٢٧١).
(٢) في المخطوط (ب): (يفترقا).
(٣) تقدم برقم (٢٢٣٤) من كتابنا هذا.
(٤) في معالم السنن (٣/ ٧٣٣ - مع السنن).
(٥) أي: الخطابي في المرجع السابق (٣/ ٧٣٣).
(٦) أي: الخطابي في المرجع السابق (٣/ ٧٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>