يكرر عليَّ مسائلَ الخلاف، فيحفظ المسألة، فقال الفخرُ إسماعيلُ: إيش حفِظ هذا التنّين؟ - يعني الصغيرَ -، فبدَر وقال: حفظتُ يا سيدي الدرْسَ، وعرضه في الحال، فبُهت فيه الفخر، وقال لابن عمه: هذا يَجيء منه شيء، فعرَضه على الاشتغال، قال: فشيخُه في الخلاف: الفخرُ إسماعيل، وعرض عليه مصنَّفَه "جنة الناظر" وكتب له عليه سنةَ ستٍ وستمائة: "وعرض عليَّ الفقيهُ الإمامُ العالمُ أوحدُ الفضلاءِ" أو نحو هذه العبارة وأخرى نحوها، وهو ابن ستةَ عشرَ عامًا.
قال الذهبيُّ: قال لي شيخُنا أبو العباس: كان الشيخُ جمالُ الدينِ بنُ مالكٍ يقول: "أُلين للشيخ المجدِ الفقهُ كما أُلين لداودَ الحديدُ".
قال: وبلغَنا أن الشيخَ المجدَ لما حجَّ من بغدادَ في آخر عمرِه، واجتمع به الصاحبُ العلامةُ محيي الدين بنُ الجوزيِّ، فانبهر له، وقال: هذا الرجلُ ما عندنا ببغدادَ مثلُه، فلما رجع من الحج التمسوا منه أن يُقيمَ ببغداد، فامتنع، واعتلَّ بالأهل والوطن.
قال: وكان حجُّه سنةَ إحدى وخمسين.
وفيها حجّ الشيخُ شمسُ الدين بنُ أبي عمرَ، ولم يتفقْ اجتماعُهما.
قال: وكان الشيخُ نجمُ الدينِ بنُ حَمدانَ مصنفُ "الرعاية" يقول: كنت أُطالع على درس الشيخ المجدِ، وما أبقى ممكنًا، فإذا حضرتُ الدرسَ أتى الشيخُ بأشياءَ كثيرةٍ لا أعرِفها.
وقال ابن حمدان، في تراجم شيوخِ حرّان: صحِبتُه في المدرسة النُّورية بعد قدومي من دمشق، ولم أسمعُ منه شيئًا، ولم أقرأ عليه، وسمعتُ بقراءته على ابن عمِّه كثيرًا.
وليَ التدريس والتفسيرَ بعد ابن عمِّه، وكان رجلًا فاضلًا في مذهبه وغيرهِ، وجرى لي معه مباحثُ كثيرةٌ، ومناظرات عديدة في حياة ابن عمِّه وبعده.
قلت: وجدتُ لابن حَمدانَ سماعًا عليه.
وقال الحافظُ عزُّ الدينِ الشريفُ: حدّث بالحجاز، والعراقِ، والشامِ، وبلدِه حرّانَ، وصنف ودرّس، وكان من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء ببلده، وبيتُه مشهورٌ بالعلم والدينِ والحديث.