وهكذا يدل على أن النهي ليس على حقيقته، ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي ﷺ لم يحرم المزارعة، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض.
قوله:(فليزرعها أو ليحرثها)، قد تقدم الكلام على هذا.
قوله:(فليمسك أرضه)، قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال.
وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة.
وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة، والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها، فإنها قد تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره، وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك، فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض إصلاحًا لها [فتخلف](١) في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك، وهذا كله إن حمل النهي على عمومه.
فأما لو حمل على ما كان مألوفًا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة، بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك.
قوله:(وبالاجماع تجوز الإجارة … ) إلخ، استدل المصنف ﵀ بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الإنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها، بل يجوز له أمر رابع وهو الإجارة لأنها جائزة بالإجماع، والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه، وإذا انتفى الوجوب بقي الندب.