للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استدلّ بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه، وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع.

قوله: (ليمنع به الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة: وهو النبات رطبه ويابسه.

والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مُكِّنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرُّروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي، وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب، لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك.

ويحتمل أن يقال: يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم، والصحيح الأول، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك (١).

والصحيح عند الشافعية (٢) وبه قالت الحنفية (٣)، الاختصاص بالماشية، وفرَّق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وبهذا أجاب النووي (٤) وغيره.

واستدل لمالك بحديث جابر (٥) المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده.

وتعقب بأنه يحمل على المقيد، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتفاء العلة.

قال الخطابي (٦): والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل يصرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم.


(١) عيون المجالس (٤/ ١٨١٨ - ١٨١٩).
(٢) المهذب (٣/ ٦٢٧ - ٦٢٨) والبيان للعمراني (٧/ ٥٠١).
(٣) البناية شرح الهداية (١١/ ٣٥٤، ٣٦١).
(٤) في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٢٢٧).
(٥) تقدم برقم (٢٣٩٦) من كتابنا هذا.
(٦) قال الخطابي في "أعلام الحديث" (٢/ ١١٦٤) عقب حديث أبي هريرة: "قلت: هذا في الرَّجُل يحفِرُ البئرَ في الأرض المواتِ، فيَملكَها بالإحياء، وبُقرْب البئرِ مواتٌ فيه كَلأ ترعاهُ الماشيةُ، فلا يكونُ لهم مُقام إذا مُنِعُوا الماء، فأمَر صاحِبَ البئر أنْ لا يمنعَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>