للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه متمسَّك لمن يقول: إن سدَّ الذرائع (١) بطريق الأوْلى لا على الحتم، لأنه نهى أولًا عن الجلوس حسمًا للمادة، فلما قالوا: (ما لنا منها بد) ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع، فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح.

ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة (٢) لندبه أولًا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.

قال الحافظ (٣): ويحتمل أنهم رجوا وقوع النَّسْخ تخفيفًا لما شَكَوْا من شدة الحاجة إلى ذلك، يعني فلا يكون قولهم المذكور دليلًا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد.

قال: ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر، وظن القوم أنها عزيمة.

قوله: (إذا أبيتم إلا المجلس)، في رواية للبخاري (٤): "فإذا أتيتم إلى المجلس".


(١) الذرائع: هي الوسائل، والذريعة: هي الوسيلة والطريق إلى الشيء، سواء أكان هذا الشيء مفسدة أو مصلحة، قولا أو فعلًا، ولكن غلب إطلاق اسم "الذرائع" على الوسائل المفضية إلى المفاسد، فإذا قيل: هذا من باب سد الذرائع، فمعنى ذلك: أنه من باب منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد". (أثر الأدلة المختلف فيها (ص ٥٦٦)].
وانظر تفصيل موضوع سد الذرائع في: "إرشاد الفحول" (ص ٨٠٤ - ٨٠٩).
(٢) "إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيلُ المصالح ودرءُ المفاسد فعلْنَا ذلك، امتثالًا لأمر الله فيهما، لقوله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
وإن تعذر الدرءُ والتحصيلُ، فإن كانت المفسدةُ أعظمَ من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوت المصلحة، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: ٢١٩]، حرَّمهما لأنَّ مفسدتهما أكبر من منفعتهما …
وإن كانت المصلحةُ أعظم من المفسدة حصَّلْنا المصلحةَ مع التزام المفسدة.
وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يُتخيّر بينهما، وقد يتوقف فيهما.
وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد".
وانظر الأمثلة على ذلك في كتاب: "القواعد الكبرى الموسوم بـ "قواعد الأحكام في إصلاح الأنام" لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (١/ ١٣٦ - ١٦٣)، فقد أجاد وأفاد .
(٣) في "الفتح" (١١/ ١١).
(٤) في صحيحه رقم (٢٤٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>