للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (لم يرحْ رائِحةَ الجنةِ) بفتح الأوّل من يرح وأصلُه: راح الشيء (١)؛ أي: وجد ريحَهُ، ولم يرحْهُ؛ أي لم يجد ريحه، ورائحةُ الجنة نسيمُها الطيب.

وهذا كناية عن عدم دخول من قتلَ معاهدًا الجنةَ، لأنه إذا لم يَشُمَّ [نسيمها] (٢) وهو يوجد من مسيرة أربعين عامًا لم يدخلها.

قوله: (فقد أخفر ذمة الله) بالخاء والفاء والراء، أي: نقض عهده وغدر (٣).

والحديثان اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه عنها وتحريم الجنة عليه، مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها؟ فمن قال: إنه يخلد تمسك بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ (٤) الآية، ومن قال بعدم تخليده على الدوام قال: الخلود في اللغة (٥): اللبث الطويل ولا يدلّ على الدوام، وسيأتي الكلام عليه.

وأما قاتلُ المعاهِدِ، فالحديثان مصرِّحان بأنه لا يجد رائحة الجنة وذلك مستلزم لعدمِ دخولها أبدًا (٦)، وهذان الحديثان وأمثالهما ينبغي أن يخصص بهما عموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة بعد ذلك.

وقال في الفتح (٧): إن المراد بهذا النفي وإن كان عامًا التخصيص بزمان ما لتعاضد الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلمًا وَكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك. انتهى.

وقد ثبت في الترمذي (٨) من حديث أبي هريرة بلفظ: "سبعين خريفًا".


(١) القاموس المحيط (ص ٢٨٢) والنهاية (١/ ٦٩٨).
(٢) في المخطوط (ب): (نسمها).
(٣) النهاية (١/ ٥١٠).
(٤) سورة النساء، الآية: (٩٣).
(٥) قال الراغب الأصفهاني في "مفرداته" (ص ٢٩١): "الخلود: هو تبرِّي الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، وكل ما يتباطأ عنه التغييرُ والفساد تصفه العرب بالخلود، كقولهم للأثافي: خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها". اهـ.
(٦) العقيدة الطحاوية (ص ٤١٦ - ٤١٧) تخريج المحدث الألباني.
(٧) الفتح (١٢/ ٢٥٩ - ٢٦٠).
(٨) في السنن رقم (١٤٠٣) وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>