للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسبب في ذلك أن سعيدًا جعل التنصيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعًا إلى جميع الأرش، ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث، لا باعتبار ما دونه، فيكون مثلًا في الأصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل، لأنها هي التي جاوزت الثلث، ولا يحكم بالتنصيف في الثلاث الأصابع، فإذا قطع من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال، ولم يدل حديث عمرو بن شعيب (١) المذكور إلا على أن أرشها في الثلث فما دون مثل أرش الرجل، وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة، كالأصابع والأسنان، وأما لو كانت جنايةً واحدةً مجاوزةً للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكلِّ، فإنْ كان ما أفتى به سعيد مفهومًا من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلَّم، وإنْ كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها، فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة، وإنْ أراد السنة الثابتة عنه فنعم، ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به، ولا سيما بعد قول الشافعي (٢) إنه علم أن سعيدًا أراد سنة أهل المدينة، ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة، فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون، وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يتقحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة.

وحكى صاحب البحر (٣) عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل، حتى يبلغ أرشها خمسًا من الإبل ثم ينصف.

قال في نهاية المجتهد (٤): إنَّ الأشهر عن ابن مسعودٍ، وعثمان، وشريحٍ، وجماعة: أن دية جراحة المرأة مثلُ دية جراحة الرجل؛ إلا الموضحة فإنَّها على النصف.


(١) تقدم برقم (٣٠٦٦) من كتابنا هذا.
(٢) تقدم قريبًا (ص ١٧٧).
(٣) البحر الزخار (٥/ ٢٨٦).
(٤) في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (٤/ ٣٥٣) بتحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>