للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا قد تقرَّرَ لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية (١) والقاسمية (٢) من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد، بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس، لأنَّ تعدُّدَ الأمكنة فرع تعدُّد الإقرار الواقع فيها، وإذا لم يشترط في الأصل؛ تبعه الفرع في ذلك.

وأيضًا: لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعًا؛ لم يستلزم كون مواضعه متعددة؟ أما عقلًا: فظاهر؛ لأن الإقرار أربع مرات وأكثر منها في موضع واحدٍ من غير انتقالٍ مما لا يخالف في إمكانه عاقل.

وأمَّا شرعًا: فليس في الشرع ما يدلُّ على أن الإقرار الواقع بين يديه وقع من رجلٍ في أربعة مواضع، فضلًا عن وجود ما يدلُّ على أن ذلك شرط، وأكثر الألفاظ في حديث ماعز بلفظ: "أنَّه أقرَّ أربع مرّات، أو شهد على نفسه أربع شهادات".

وأما الردّ الواقع بعد كلِّ مرَّةٍ، كما في حديث أبي بكر (٣) المذكور: فليس في ذلك: أنه ردُّ المقرِّ من ذلك الموضع إلى موضع آخر، ولو سلم: فليس الغرض في ذلك الرد هو تعدد المجالس، بل الاستثبات كما يدل على ذلك ما وقع منه من الألفاظ الدالة على أن ذلك الرد لأجله، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس (٤) المذكور في الباب فإن فيه: "أنه جاء اليوم الأول فأقر مرتين فطرده ثم جاء اليوم الثاني فأقر مرتين فأمر برجمه".

وهكذا يجاب عن الاستدلال بما روى نعيم بن هزال أنه أعرض عن ماعز في المرة الأولى والثانية والثالثة كما أخرجه أبو داود (٥)، وأخرجه أيضًا أبو داود (٦) والنسائي (٧) من حديث أبي هريرة، والإعراض لا يستلزم أن تكون


(١) "المختصر" للطحاوي (٣/ ٢٨٣) والبناية في شرح الهداية (٦/ ١٩٨ - ١٩٩).
(٢) البحر الزخار (٥/ ١٥٥).
(٣) تقدم برقم (٣١٠٤) من كتابنا هذا.
(٤) تقدم برقم (٣١٠٣) من كتابنا هذا.
(٥) في سننه رقم (٤٣٧٧).
وهو حديث ضعيف.
(٦) في سننه رقم (٤٤٢٨).
(٧) في السنن الكبرى رقم (٧١٦٦ - العلمية). =

<<  <  ج: ص:  >  >>